TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل: في الحياة ما يستحق الحياة وأكثر

قناديل: في الحياة ما يستحق الحياة وأكثر

نشر في: 26 مايو, 2012: 07:59 م

 لطفية الدليميتشيع في ثقافتنا الاجتماعية المخلخلة مفاهيم مغلوطة كثيرة منها  عدم الاعتداد بالطقوس الجمالية سواء في الطبيعة أو فيما يجاورنا من أشياء وموجودات أو عبر التمتع بالأعمال الفنية من موسيقى وفنون تشكيلية وأفلام سينمائية، فالبعض من البشر لا ترتعش روحه لرؤية  ضوء  يومض  في  السماء  أو  لرؤية براعم  طرية على نبتة جافة  كانت موشكة على الفناء  والبعض لا تهزه نغمات موسيقى
 وينظر إلى النصب  والتماثيل نظرة مستهجنة لا تحرك فيه أية جارحة بإحساس جمالي أو وجداني وبعض الناس في مجتمعاتنا المغلوبة على أمرها - اعتاد  العيش في أحياء وشوارع  مزدحمة  وجو ملوث  محاطا  بالنفايات والمزابل  دون أن يحرك ساكنا  أو يبادر لفعل شيء مثلما يفعل  اليابانيون الذين يشكلون مجموعات عمل  لتنظيف الأحياء السكنية مناوبة ومن يتخلف من السكان يعاقب بمضاعفة العمل شهرا إضافيا.من دون الفن والجمال تضمر الروح وتتحول إلى مجرد نبض وأنفاس فلا يتخصب  العقل  ولا يغتني  القلب بالمشاعر والأحاسيس ولا يفيض التعاطف من الروح  إلى خارجها نحو الكائنات والأشياء الجميلة ، ومن لا يستطيع تذوق الجمال وصنعه  وترويجه في المساحة المكانية التي يتحرك ويعيش  فيها من مساكن وأحياء وشوارع  - سيعجز  عن مواجهة  الظلم والقبح – بل سيعتبر الظلم مسألة قدرية ويعد القبح أمرا عاديا عندما تعتاد  نظرته رؤية النفايات والمزابل يوميا، فيتقبل الظلم  والقبح دون مقاومة او  رفض  بسبب تخليه  عن الإحساس بضرورة العمل والتضحية  والتضامن  والإقرار بأهمية الجمال في حياتنا.إن قبول البشر بالحرمان وعدم الثورة عليه والقبول بالقبح المحيط  بهم وعدم السعي لتغييره ، تؤدي بالنتيجة  إلى تبلد الأحاسيس  وموت  المشاعر واللامبالاة إزاء العالم  والمستقبل، فكل فرد يعيش من اجل مكسبه ولحظته الراهنة  حسب – مما يؤدي إلى التحول أو الانمساخ  إلى كائنات تعمل من اجل تلبية حاجاتها الغريزية  الأولية فقط (الطعام لأجل إدامة الحياة والجنس لأجل  حفظ النوع)  في حياة كئيبة خالية من  أي معلم من معالم الجمال ، ويفضي تبلد الأحاسيس هذا الى انعدام  حالة التضامن والتعاون  والتساند بين البشر الذين انحصرت أنشطتهم  في حدود ضيقة جدا لا تتعدى إدامة الحياة وتأدية الأعمال اليومية المكررة والتعامي  أو العمى إزاء  جماليات الوجود التي ترهف النفوس وتهذب الأحاسيس وتخفف نزعات  العنف لدى البشر، وتقلل الرقة وتدفق المشاعر العذبة والحنان والتذوق الجمالي - من مشاعر المرارة   والغضب والحقد التي تمتلئ بها نفوس البشر لأسباب كثيرة منها القمع والحرمان وافتقاد الأمان وسلب الحريات وغياب الأمل .. لقد أدى انعزال الناس وقطع الأواصر  بين فئات المجتمع لأسباب  سياسية أو اجتماعية  وحتى اقتصادية – إلى الانفصال الطوعي أو الانفصال القسري بين البشر فتأجج الخوف من الآخر وعزل   الإنسان  نفسه في وحدة مريعة متغاضيا عن حقيقة عظيمة هي أن  حياتنا  - حياة الإنسان على الأرض إنما هي هبة عظيمة ينبغي رعايتها والاهتمام بتطويرها وإمدادها  بنفحات من الجمال المتاح والإيمان بقدراتنا  على تطوير مجتمعنا عبر التضامن والتسامح  لنستطيع بعدها مواجهة الظلم والتجبر والقوى الغاشمة المهيمنة التي تتحكم بمصائرنا..  الحياة  زاخرة بالجمال لمن يرى ويتذوق: ففيها تتنوع الألوان: في الأعمال الفنية والملابس او في الطبيعة وتغيراتها  وازدهارها  وذبولها  ونهوضها مرة أخرى  وفيها الأصوات من أغاريد الطير وصفير الريح  ونغمات الموسيقى وحفيف الشجر وتدفق الماء وفيها الروائح الشذية من الأزاهير والشجر والعشب والعطور وفيها اللمسة الإنسانية الحانية  والنظرة والكلمة الطيبة التي تعزز الثقة بالنفس والناس والوجود، ففي الحياة حقا ما يستحق الحياة على رأي محمود درويش...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram