علي حسينالعبد الصالح محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق يثير الضحك الآن.. فهو لا يجيد فن الكلام، وخطاباته تحتاج إلى متمرسين في لعبة الكلمات المتقاطعة. لم يفكر يوما إلا من زاوية ضيقة، وهي إعادة إنتاج خطاب قائد الحملة الإيمانية الذي كان يتهم معارضيه بأنهم أعداء للإسلام...
وهو ينتمي إلى طائفة من السياسيين الذين لا يفهمون غير لغة واحدة هي لغة الاستعلاء والتسلط الذي يغلف دائما بعبارات وكلمات مثل الفضيلة والأخلاق والخوف على قيم المجتمع في الوقت الذي يتركون الشعب مقهورا، مغيبا، أسيرا لاحتياجاته. صلاح عبد الرزاق ومعه مجموعة مقربين يحاول كل منهم أن يكون "ميني دكتاتور" ويسعى لأن يعيد لنا شريط الحاكم بأمر الله، مناصبهم منحة وليست استحقاقا، عالمهم ضيق محصور بمصالحهم الشخصية، بينما العالم يتسع من حولنا.في مؤتمره الصحفي الأخير والذي تقمص من خلاله دور المنقذ من الضلال شمر المحافظ عن ذراعيه وأتحفنا بجمل غريبة من عينة: "إن الإسلاميين هم الذين وفروا لمؤسسة المدى حرية التكلم بهذه الطريقة، رغم أن أية دولة عربية أو إسلامية لا تقبل بهذا الكلام لأنه مخالف للأعراف والأخلاق"، ولم ينس أن يعرج على أخوتنا الكرد فينعتهم بالجاهلية وإنهم يضمرون العداء للإسلاميين ولكل التراث الإسلامي حسب قوله.هذه الفقرة هي الأخطر في حديث الشيخ صلاح عبد الرزاق فمن وجهة نظره ان الكرد لا علاقة لهم بالإسلام وإنهم أقوام يحاربون هذا الدين الحنيف ويريدون اشاعة الكفر والرذيلة.. لا ادري كيف تسنى لرجل يحسب نفسه على طائفة السياسيين من أن يتهم جزءا من الشعب العراقي بأنهم مرتدون.. وكيف تسنى له ان يصف معارضيه بأنهم أصحاب عقائد شيطانية. وأنا اقرأ هذه الفقرة الكوميدية من المؤتمر الصحفي لفضيلة الشيخ محافظ بغداد رددت مع نفسي "إذا بليتم فاستتروا" ولأن شر البلية ما يضحك، وشر السياسة السذاجة.. وفي الساحة السياسية العراقية الكثير من المضحكات التي تستحق أن نذرف الدمع تعاطفاً لا سخرية، حزناً على بعض السياسيين وتصرفاتهم، واكتئاباً من مواقفهم غير... الناضجة، ورفضاً لسلوكهم الذي لا يحترم الناس.بالتأكيد أن ما تفوه به المحافظ مضحك جدا، فهو في واد والمواطن في واد آخر، فالمواطن مهموم بنقص الخدمات وتوفير حياة كريمة لأسرته، والمحافظ مهموم بإنشاء "إمارة القرون الوسطى".المواطن يبحث عن الأمن والتعليم والصحة والكهرباء والماء وعن فرص عمل، فمطالب الناس ليست في تأسيس إمارة الشيخ صلاح عبد الرزاق، وإنما في حكومة تستطيع القيام بواجباتها تجاه الناس. بعد أن قرأت حديث السيد المحافظ شعرت بالامتنان للرجل فقد اثبت بالدليل القاطع أن هموم أهالي بغداد محصورة في البكاء والشكوى من مؤسسة المدى التي ارتدت عن طريق الهداية وروجت للعقائد الشيطانية حين كتبت عن الفساد ونقص الخدمات والاستبداد، وحين ناصرت الحريات المدنية وتبنت مطالب المتظاهرين.أنا معك يا شيخ، امض في حملتك الإيمانية حتى آخر الشوط. ولن ألومك، كما لن ألوم أي سلطة مهما تجبرت وسرقت وانشغلت عن هموم الناس، فقد تعودنا ان نعيش مع مسؤولين يكذبون ليل نهار، وستنجح أيها العبد الصالح في حملتك مادام هناك مسؤولون يتسترون على خروقاتك للقانون وعلى لهوك عن هموم المواطن وعبثك بمصير أهالي بغداد الذين عرفوا تاريخيا بانفتاحهم وتعايشهم وتسامحهم وحبهم للحياة. دعونا نتساءل؛ لماذا يقوم محافظ بغداد ومن معه بكل هذا الصخب في هذا الوقت بالذات؟ هل يريدون من الناس أن يصدقوهم وهم ينهبون البلد ويخربون مؤسساته؟ ألا يدرك الملا صلاح أن السياسة تقوم على الثقة والإخلاص وهي صفات يفتقر لها العديد من ساسة اليوم؟.وقديما قال عمنا الرصافي: لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن... فالقوم في السر غير القوم بفي العلنِهذا هو محافظ بغداد وهذا هو خطابه.. فتأملوا كيف تصنع الحكومات الميتة أبطالها الجدد.
العمود الثامن: فتاوى الشيخ "المحافظ"
نشر في: 26 مايو, 2012: 09:10 م