لينا مظلوم في مجتمع سادت على غالبيته عشرات السنين ثقافة( أطيعوا الله..و أطيعوا الرسول..و"أولي الأمرٍ "منكم)..توجه الشارع المصري يومي الأربعاء و الخميس إلى صناديق الاقتراع في تجربة نادرة لانتخاب رئيس الجمهورية الذي ستُحدِّد اسمه نتائج فرز الأصوات في مطلع حزيران.. التجربة تتم –بكل تفاصيلها- و سط لحظات حراك سياسي نشيط و تراكمات قمع و استبداد مع كل الإفرازات التي صنعها من فساد و أخطاء كارثية ظهرت ملامحها بقسوة عبر التداعيات التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني..
حتى اليوم...إذ تفجّر الضغط و الكبت عن أزمات و كوارث طالما غض الحُكم السابق عنها البصر.. هذا الانفجار عبّر عن نفسه في كثير من الأحيان بصيغة المبالغة و التخبط .. مما جعل حال الواقع المصري أقرب إلى المثل(اختلط الحابل بالنابل).في هذه الأجواء تعيش مصر حالة غريبة عن تاريخها المعاصر..أبرز سماتها صعوبة التكهن الدقيق.. خصوصا و أننا نفتقد في عالمنا العربي مراكز استطلاع علمية تُحدد ملامح سير أي انتخابات.. و في حالة شعب سادت نسبة كبيرة منه حيرة في اختيار الرئيس الذي سيحكم مصر الأربع سنوات (الصعبة) القادمة ..كل هذا يضع التوقعات في خانة آراء و تكهنات بعيدة عن الإحصائيات الدقيقة.لعل ما يُلقي بظلاله على هذه الانتخابات ما يُعتبر أخطر الآفات التي داهمت العملية السياسية المصرية..حين تصوّر كل طرف أنه وحده يملك حق التصرف في مصير نجاح الثورة المصرية.. و تأتي التيارات الإسلامية على رأس ممارسي هذه اللعبة, بعد أن تلقت لطمات عديدة في الأشهر الماضية.. البرلمان الذي تصوروا انه سيحولهم إلى( حاكم بأمر الله) مُهدد بالحل وفقا لأحكام قضائية.. الدستور الذي سعوا إلى الاستحواذ على كتابة بنوده على طريقة و هوى جماعة الإخوان المسلمين ,لم يُمكنهم القضاء المصري من الاستحواذ على اللجنة المُشكّلة لكتابته..ففتحوا جبهة حرب أخرى ضد السلطة القضائية- لتُضاف إلى باقي الجبهات التي أطلقوا نيران عدائهم عليها كالجيش والإعلام- .. و بعد أن فشلت تحركاتهم لهدم المؤسسات القائمة واستبدالها بأخرى خاضعة لنفوذهم.. اتجهوا بكل مظاهر التحشد والدعاية الصاخبة و الآلة التنظيمية الهائلة التي يمتلكونها, إلى انتخابات الرئاسة بمرشح ضعيف ..لا يملك سوى الخضوع لتبعية الجماعة..كي لا يخرجوا من الثورة المصرية وفقا للمثل العراقي الشهير(لا حظت برجيلها.. و لا خذت سيد علي)!! فلم يحافظوا على تاريخهم كجماعة مؤثرة..قاومت اغلب الضربات و الهجمات التي تعرضت لها .. و حصدت عبر تاريخها شعبية في الأقاليم المصرية..إلا أن هذه الشعبية سرعان ما تقلصت خلال عام بعد قيام الثورة مع ظهور الجماعة إلى ممارسة العمل السياسي العلني و الذي حققت فيه صفراً كبيراً!!الإخوان المسلمون استخدموا كل الأسلحة- حتى المُحرّم انتخابيا- في مواجهة أسماء مرشحين حققوا رصيدا من الشعبية.. مثل الطبيب عبد المنعم أبو الفتوح , القيادي المنشق عن الجماعة, و الذي اشتهر أثناء دراسته الجامعية بالموقف الجدلي الحاد مع الرئيس أنور السادات.. أيضا السياسي و الدبلوماسي المخضرم عمرو موسى, الذي تميز أداؤه الناجح و المميز كوزير للخارجية في الإطاحة به.. لعدم توافقه مع توجه الرئيس السابق مبارك في تقليص دور وزرائه إلى موظفين لخدمة رغبات عائلته الملكية!!..بالإضافة إلى الإعلامي الثوري حمدين صباحي, المعروف بقربه من فكر الرئيس جمال عبد الناصر.وسط هذه الأسماء..سادت المصريين حيرة انتخابية حتى آخر لحظة من الإدلاء بأصواتهم .. لعل هذه الحيرة عكست ارتفاع أسهم مرشح آخر هو وزير الطيران السابق أحمد شفيق, الذي طالما اعتُبِر من المقربين شخصيا إلى حسني مبارك.أخيرا وسط هذا المشهد المصري العام ..تبدو الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن العالم العربي سيشهد مفاجآت في هذه الانتخابات المصرية .. حتما سيكون لها تأثير على صُنع القرار المصري داخلياً و عربياً. كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة
مفاجآت صُنع الرئيس
نشر في: 27 مايو, 2012: 09:15 م