TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :النجيفي واحترام الإعلام

أحاديث شفوية :النجيفي واحترام الإعلام

نشر في: 27 مايو, 2012: 09:26 م

 احمد المهنا رئيس البرلمان السيد اسامة النجيفي عرض، في خطاب أخير له، مطالب كثيرة يستوقف أحدها الإنتباه أكثر من غيره، وهو "ضرورة احترام استقلالية الإعلام وتوفير الفضاءات الأرحب لنموه نموا وطنيا مسؤولا". فمثل هذه الدعوة نادرا ما صدرت من قيادات الصف الأول في السياسة العراقية، فضلا عمن دونهم.
والاعلام المقصود في سياق كلامه هو اعلام الدولة. أي شبكة الإعلام العراقي. فهل يعني النجيفي الدعوة فعلا، ويقدر أهميتها حقا، ويعدها مهمة بين المهام الوطنية أيضا، أم أنه يصدر عن مجرد انزعاج من "الشبكة" المعروفة بانحيازها الى الحكومة؟ والواقع ان حديث أي سياسي عربي عن الاعلام مدعاة للتساؤل، لأن مواقف الساسة العرب بالجملة من "الاعلام الحر"، لا تختلف في النوع وإن تفاوتت بالدرجة بدءا من الحذر والشك والسخط وصولا الى الخصومة والعداوة. وعلى اية حال فإن الرجل يشكر على كلامه في قضية "اعلام الدولة" المسكوت عنها في السياسة العراقية. إن "الهيئة العراقية العامة لخدمات البث والارسال"، التي تشرف على شبكة الاعلام، هي احدى "الهيئات المستقلة"، حسب الأمر 66 الذي اصدرته سلطة الائتلاف المؤقتة، وتأسست بموجبه، وبقي هو الاطار القانوني الوحيد لعملها. ذلك أن الدستور تجاهلها. ولم يشرع البرلمان قانونا ينظم عملها. وعندما ثار الخلاف، المستمر، بين الحكومة وبين البرلمان حول "تابعية" الهيئات المستقلة، لم يدخل موضوع "الشبكة" في اطاره، لأن الحكومة مستحوذة عليها أصلا. وهكذا فان هناك لامبالاة حيال هذه الهيئة "المستقلة"، تتجلى بدءا من الدستور الذي أغفل ذكرها دونا عن بقية الهيئات، وانتهاء بسكوت "الشركاء" في العملية السياسية على خضوعها للسلطة التنفيذية. وليس هناك من تفسير لهذا الموقف سوى انه ترجمة لنظرة السياسة العراقية اللاجدية الى "الاعلام الحر" الوطني ( وليس الأجنبي المقدر عندها كثيرا). فالساسة معتادون أصلا على منابرهم الحزبية الدعائية. ولم يعرفوا في الممارسة غير هذا النوع من الاعلام. فكيف يمكن لهم أن يدعوا الى اعلام حر مستقل بينما هم أنفسهم أصحاب إعلام حزبي مقيد؟ ان المجتمعات الديمقراطية تنتج نوعين من الاعلام الحر. الأول تابع للقطاع الخاص، أو المجتمع المدني. والثاني للدولة. الاعلام الخاص تجارة. وخشية من تأثر هذا الاعلام الخاص بسياسات المعلنين ومصالح السوق وقواه، أكثر من تعبيره عن حاجات الشعب وتطلعاته، تنشىء الدولة هيئة غير ربحية للاعلام الوطني، تكون حرة من اي ضغوط سياسية او اقتصادية، ومستقلة عن الحكومة، لتولي مهمة تقديم خدمة الحقيقة للجمهور. وبوجود"اعلام دولة"مثل هذا، فان الاعلام الخاص نفسه يكون مضطرا لالتزام قواعد المهنية، والتقيد بالمصداقية، لأن الأول يكون بمثابة القدوة للثاني. وأشهر نماذج إعلام الدولة في العالم البي بي سي البريطانية.والمصيبة في حالة مثل حالتنا هي ان مجتمعنا المدني عاجز عن انتاج اعلامه الخاص، نظرا لضعف قدراته الاقتصادية. كما ان إعلام الدولة، والمقصود بالدولة هنا الشعب في المقام الأول، مسروق من الحكومة. وبذلك يكون المجتمع محروما من الخدمة الصحفية الحرة والنزيهة.إن "الاعلام الحر"هو أهم وجوه قوة المجتمع التي تجعل السياسة تخاف وتستحي. انه سلطة الرقابة الشعبية على جميع السلطات الأخرى. وإن وجوده من عدمه، قوته أو ضعفه، مقياس لمدى تمتع القانون بالسلطة، والحكومة بالشرعية، والشعب بالحرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram