علي حسين لا تستغربوا محاولة بعض الساسة أن يضحكوا علينا بكلمتين حول التسامح والتعددية واحترام الرأي الآخر وضمان الحريات، فتلك بضاعة بعض الساسة التي لا ينفد معينها، ثم إنها بضاعة مجانية، لا تتطلب من أصحابها سوى تزويق العبارات وحبكها، وهي الصنعة التي راج سوقها في زمن العجز عن الفعل والاستقواء بالكلمات، إذ كما أن هناك من يفصل القوانين على هواه فهناك أيضا من يجيد تفصيل الخطب لتناسب كل مقام وزمان.
تخبرنا التجارب التي تعيشها الشعوب الحية أن الفعل البشري الحر يمكن أن يفعل الكثير إذا توفرت له الإرادة والرؤية الصادقة، حيث يسعى الساسة إلى تقديم نموذج جديد للحكم، نموذج يحترم الإنسان ويقدر قيمة الحياة،في فرنسا التي كنا نسخر من عجرفة وصبيانية رئيسها السابق ساركوزي ، وجدنا هذا المتغطرس يقف مبتسما خارج قصر الرئاسة ينتظر غريمه الذي فاز عليه في الانتخابات ليقوده الى كرسي الحكم ، وليصبح هو مجرد مواطن عادي يبحث عن وظيفة جديدة، حينما شاهدت هذا المنظر تساءلت كم يحتاج ساستنا الى ثقافة ووعي ليصبحوا على شاكلة ساركوزي. كأنما الدرس الذي قدمه ساركوزي موجه على نحو خاص، إلى بلد يرفض فيه رئيس الوزراء الجلوس مع شركائه السياسيين، رافعا شعار "وحدي وليذهب الآخرون إلى الجحيم" .تقوم التجارب السياسية الناجحة على الصدق والمشاعر الإنسانية. فيما يعيش ساستنا على الشك والنميمة والانتهازية واحتقار الإنسان ، تعلمنا منذ عقود أن الجوع والقهر والاستبداد عندنا لا يغيران الحكومات، وكأننا نرضى من حكامنا فقط بأن يكفوا عن قتلنا، فإن أخذوا رزقنا فهنيئا لهم فنحن أضعف من أن نثور. وكأننا تعودنا الجلوس على المقاهي بلا عمل، وكأننا تعودنا أن يحولنا الفقر إلى شحاذين ومقهورين ثم لا نغضب، ونحمد الله على أننا لم نمت ولم نعذب ولم نوضع في قبو أو قبر.المشكلة التي يواجهها المشهد السياسي اليوم لم تعد تتمثل في إصرار البعض على احتكار السلطة وغياب الحريات المدنية فقط، وإنما هي في الإصرار على اللعب على وتر الطائفية لمحاربة الحريات والوقوف بوجهها والطلب من القضاء تأييد احتكار السلطة من خلال وسيلتين:الأولى هي الإصرار على تدمير عناصر المجتمع المدني حتى لا تلوح في الأفق أي بارقة أمل في إمكانية وجود بديل يمكن أن ينافس يوما ما، ما هو قائم ، وتشهد بذلك القيود التي تكبل الحريات العامة وتلوح بقوانين مجلس قيادة الثورة المقبور في إرهاب الناس التي أصبحت غاية أمانيهم أن يحصلوا على قليل من الكهرباء وعلى وظيفة تسد الرمق وعلى بيت حتى وان كان من الصفيح وعلى أمان يحمي أبناءهم من عصابات الإرهاب والجريمة.الوسيلة الثانية لضمان الاحتكار تمثلت في اللعب بالقوانين والعبث في الدستور، لإضفاء شرعية على ممارسات المسؤولين ، بحيث أصبح الاحتكار محميا بتشريعات قضائية .الناس تريد دولة مدنية حديثة لا دولة دراويش يبحثون عن فتاوى وهمية ليحصلوا من خلالها على سلطة فوق سلطة القانون الدولة، سياسيون يبحثون عن دولة يحكمها قائد يحكم بقوة السلاح ويوزع الثروة على الاحباب والاقارب. ساسة يعتقدون أن الأمور ما لم تصب في مصلحتهم فان الخراب سيحل بالبلد، ولهذا يجب ان يبقى مصير العراق مرتبط بشخص واحد لا بمؤسسات ديمقراطية؟!، كل يوم نسمع النغمة نفسها، كل طرف يهدد بالويل والمصير الأسود لو أن الحكومة خرجت من بيته، فيما المواطن المسكين ينظر بعين كسيرة لما يجري وهو يرى طوابير العاطلين ، ويشاهد قضايا نهب المال العام وسرقة أراضي الدولة والرشوة وأموال تذهب لمخصصات سكن المسؤولين و لحماياتهم وسفرياتهم، والزواج غير الشرعي بين العديد من المسؤولين والفساد المالي.ولان بعض الساسة لا علاقة لهم بما يجري في العالم، فقد تعاملوا معنا كما تعامل العميان مع الفيل في غرفة مظلمة، كما صورهم الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير، حيث وصف أحدهم الفيل بأنه أربعة أعمدة، لأنه تحسس أرجله الأربع فقط، فيما قال الذي تحسس خرطومه إنه ثعبان، بينما ذهب الذي تحسس ذيله إلى أن الموجود في الغرفة مكنسة.أما شطار السياسة عندنا فيقرأون الواقع بطريقة تفوق ما قام به عميان فولتير، بدليل أنهم ماضون في طريقهم غير مكترثين ، مصممون على قرارات وسياسات لا تفعل شيئا سوى إشعال الغضب في الصدور، بما يهدد بحريق كبير، لا تنفع معه حتى مطافئ العم اوباما.
العمود الثامن :مرة اخرى.. لماذا لا تنقرضون؟
نشر في: 27 مايو, 2012: 09:38 م