سرمد الطائي المشهد الذي عرضته الفضائيات مساء أول من أمس الأحد في قضية ليث الدليمي، "فضيحة" بامتياز، وسيكتب عنه الكثير من الناس بالتأكيد، فهو من المفارقات التي لا تراها ولا مرة كل عشرة أعوام في البلدان الطبيعية، لكنه مشهد متكرر بنوعه وإن كان نادرا بمستواه حتى هذه اللحظة.
قائد امني كبير محاط بالعساكر، يأتي بعدد كبير من مراسلي البث التلفزيوني ويضعهم وجها لوجه امام عضو الحكومة المحلية في بغداد ليث الدليمي الذي يواجه تهما كبيرة، بردائه البرتقالي، ويستعد القائد ليطلب من المتهم ان يدلي باعترافات وسط قاعة صغيرة، مليئة بالصحفيين والعديد من المتهمين.وقبل ان تبدأ الاعترافات يقوم المسؤول الكبير الذي وجد نفسه مرتديا زي المتهمين البرتقالي (وهو في افلام هوليود رداء المحكومين بالإعدام) بالصراخ بطريقة لا تليق بصورته كمسؤول، يقول: كلها مسرحية يديرها عميد فلان وانا بريء.. ويستمر الصراخ وتعم الفوضى تلك القاعة التي جمعت عددا كبيرا من الصحفيين وجها لوجه مع عدد كبير من المتهمين!من الذي اشار على القائد الامني ان يأتي بكل هذا العدد من المصورين الصحفيين لحضور "حفل الاعترافات" الذي انتهى بارتباك طفل؟ لماذا لم يتعلم القائد الامني هذا من كل اخطاء هذا الملف المتكررة طيلة اعوام واعوام؟ وما هدف من يتعمد تكرار هذه الفضائح يا ترى؟جميعنا ننتظر ونترقب ما سيقرره القضاء بشأن اصل القضية، وجميعنا لا نستغرب ان يكون هناك اشخاص نافذون في الدولة متورطين في الارهاب، وجميعنا يعتقد ان الكثير من المتورطين في الارهاب افلتوا من قبضة العدالة، وهناك احتمال مشروع بأن يكون ليث الدليمي من هؤلاء.لكن لا احد تمنى ان يشاهد هذا الموقف المخزي للقائد الامني الكبير المحاط بالعساكر، وهو موقف مخجل لنا جميعا. وللمرة الالف هناك ارتباك يشبه ارتباك الاطفال، في "اخراج" هذا النوع من الملفات الحساسة.ولا احد يريد ان يستبق رأي القضاء، لكن اكثر القضايا المحقة يمكن ان تتبخر مشروعيتها حين تحظى بعرض بائس كالذي شاهدناه على الشاشات مساء الاحد الماضي.تنتقل الى تعليقات العراقيين على موقع يوتيوب الذي عرض لقطات عديدة من هذه الحادثة، ولا تنصدم كثيرا من السباب والشتائم المتبادلة بين "الفريقين". لكن هناك تعليقات تلفت النظر وترسم حجم المشكلة الامنية والسياسية المتشابكة التي خلطت دماءنا بأنواع الرهانات.معلق من مدينة الضحية كما يبدو، يقول: "ليث الدليمي يستحق، لقد ارتمى في احضان الامريكان وعمل مع الصحوة وخان المجاهدين".هنا تشعر ان الحكومة واتباعها تسخر من هذا المتهم وتعرضه بطريقة الفضيحة وتريد ان تحكمه بالاعدام كما يبدو، لكن اوساط "المجاهدين" وجدت مناسبة للنيل منه وتتهمه بأنه عمل مع الصحوات وكشف بعض خلايا القاعدة.الى اي حدٍ شائكٌ هذا الملف، ومن سنصدق، وكيف تتعامل معه قيادات بغداد الامنية بهذا التساهل الذي ينتهي بما يشبه ارتباك الاطفال؟ولا ندري لماذا لم نتعلم طيلة 9 اعوام، ان هذه "الاستعراضات" مكلفة كثيرا وغير مجدية. والسبب الاساس في كونها مكلفة وغير مجدية، هو الاشخاص غير المناسبين الذين يديرون هذه العملية وينتهون في الغالب بـ"فضيحة"، وهي فضيحة لهم كقادة امنيين، ولنا ايضا كمحكومين ننتظر العدالة بحق جهات عديدة تورطت في دمائنا، لكننا نصاب بالاحباط حين يتصرف القادة الامنيون ووراءهم كل الارادات السياسية، على هذا النحو.الدول المحترمة تحاكم سنويا العديد من الاشخاص بتهم كبيرة تصل حد الارهاب، لكن لا احد من تلك الدول ادار معركته على هذا النحو. كل الدول المحترمة تستطيع ان تكشف برصانة وحكمة وعدل، المتورطين في الارهاب، وتنجح في توفير محاكمات عادلة لهم. تلك الدول تعتقد ان توفير الظروف العادلة للمتهم هي جزء اساسي من مكافحة الارهاب. لان العدل هو الوحيد القادر على محاكمة الارهاب والظلم والقتل. اما نحن فنحاول محاربة الظلم والقتل، بهذه الاستعراضات التي تنقصها الحكمة ويعوزها العدل، وتتراكم عليها اخطاء تعلمنا تكرارها منذ 9 اعوام.
عالم آخر :ليث الدليمي وارتباك الأطفال
نشر في: 29 يونيو, 2012: 04:28 م