احمد المهنا الخطورة تبدأ من اعتبار الحاكم السلطة ملكا حلالا له حراما على غيره. عندها تدخل البلاد سيرورة تموت فيها السياسة، وتضمر الأخلاق، وتنفلت الغرائز، وتعم الكراهية، وتسود الهمجية. وينتهي الأمر معها الى أن يصدق الحاكم بأن الشعب ميت، وانه هو وحده الحي القيوم. شأن القذافي حين لم يصدق ان يظهر بين الناس متظاهرون ومحتجون، فتساءل:"من أنتم؟". وكان الرجل يفكر بصوت عال. وكان هذا هو "تميزه".
ويروي مقربون من مبارك أنه تغير كليا بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في احدى محافظات مصر، فلم يعد مباليا "بشعب ناكر للجميل". فكأن حكمه منة وفضل على الشعب، واحسان قوبل بالاساءة. لذلك أخذ اجازة من وجع الراس، بعد محاولة الاغتيال الفاشلة تلك، وذهب الى استراحة طويلة في شرم الشيخ، تاركا لابنه جمال "هم" السلطة، الى أن صار ما صار، وظهر الشعب بصورة سيل جارف.أما صدام فكان أقل جرأة من القذافي وأشد عنفا وأقل أدبا من مبارك. انه الآخر "صعق" بانتفاضة 1991. فلم يكتف بارتكاب الفظائع معها، وانما زاد بكتابة سلسلة مقالات غير موقعة، اشتهرت وقتها، كال فيها اقذع الشتائم لأهالي الجنوب الثائر. وعلى عهدة مسؤول اعلامي في زمنه، فان صدام "تحول بعد الانتفاضة الى طائفي متعصب أقصى حدود التعصب والحقد على سكان الجنوب". وكان بين وجوه ذلك "التحول" هوسه في بناء القصور كنوع من "زيادة" التنكيل بالشعب الفقير الجائع.ولعل من "الزيادة" فوق العادة في "التحول"، أن تقترب "الديمقراطية الفتية" في العراق من اعادة انتاج الحاكم الحي لشعب ميت. ان الديمقراطية هي الشعب الحي الذي يستأجر حاكما لخدمته في دورة انتخابية او اثنتين، ثم يمضي الى حال سبيله. واذا وصل الأمر بالحاكم الى طريق مسدود، فهناك الآليات الديمقراطية المعروفة، كسحب الثقة أو الانتخابات المبكرة. ولكن رجال "دولة القانون" ينظرون الى زعيمهم نفس نظرة رجال الحزب الحاكم الوحيد الى القائد الوحيد. أو أن هذا على الأقل ما يظهر من تصريحات بعض أعضاء "دولة القانون". فأغلب الظن أن هذه النظرة لا تمثلهم كلهم، وأن بينهم من لديه مواقف اخرى، ولكنها لأسباب ما لا تظهر الى العلن.يقول احد "المتشددين" منهم ان سحب الثقة من المالكي يعني انه سيكون"آخر رئيس حكومة لعراق واحد موحد". هنا ليس الدستور، ولا السياسة القائمة عليه، ولا الشعب، ولا التاريخ، ولا الجغرافيا، ضمانة لوحدة البلد، وانما فقط المالكي الشخص، وباقي الناس كلهم تراب. ويصادق على ذلك زميل له قائلا ان "بديل المالكي سيتعهد للكرد قبل تعيينه بضم كركوك الى اقليم كردستان وأن يسمح لهم كذلك بتهريب النفط، وتقديم تعهدات لكتل اخرى بعدم ملاحقة الارهابيين الذين ينتمون لها". وبهذا اضاف لزعيمه قدرة حماية الثروة الوطنية، ومقاومة الارهاب، فوق قدرته على ضمان الوحدة الترابية. والأخطر من ذلك كله اتهام "الشركاء" بالتوسعية والسرقة والإرهاب. ان هذه لغة تفوق لغة الاستبداد نفسه خطورة، لأنها تضرب على العصب الحساس للمكونات الاجتماعية. وكأن بلاوي العملية السياسية قليلة حتى يضيف اليها الأخ لغة التعصب الشوفيني والطائفي معا. إن هذه اللغة أهلكتناهلاكا كافيا لنفكر بأخرى تبعد عنا أشباح الاستبداد والحرب الأهلية معا.
أحاديث شفوية :لتتوقف لغة الحرب الأهلية!
نشر في: 29 يونيو, 2012: 04:33 م