نجم والي 2-2 حتى تصوير المخرج الأميركي ستيفين سبيلبيرغ لفيلمه "قائمة شنديل"، الذي انتهى نهاية هوليوودية سعيدة: هيبي أند، كانت الكاتبة الصغيرة الألمانية آنا فرانك هي الشخصية النموذجية رقم واحد، التي تعبر عن الإنسان الذي لا يفقد إنسانيته رغم المعاناة المرعبة والتجارب المؤلمة التي يمر بها، على العكس، تلك التجارب المأساوية تصقل جوهره الإنساني، وتجعله يصبح أكثر شجاعة، رغم إن عليه أن يموت في النهاية. آنا فرانك طوّرت نفسها بنفسها، كانت تصنع نفسها، وكأنها تطبق الحكمة السارترية، "الإنسان مشروع نحو المستقبل". بل تحولت إلى قديسة يُحتفى بها في كل مكان، دون أن تكون خططت بنفسها لذلك.
لقد أحصى الناشر الجديد لدفتر يومياتها، العديد من المناسبات التي تم بها الاحتفاء عالمياً بآنا فرانك "الأيقونة". فعلى سبيل المثال في مدينة نيشينوميا اليابانية هناك كنيسة أُطلق عليها "وردة آنا". الطريف بالأمر، هو أن اليابانيين حولوا دفتر اليوميات إلى أحد الأفلام المتحركة. هناك أيضاً كتاب طبخ، عُثر عليه – كما يُقال – عند المدخل الذي يقود للمخبأ في البيت الخلفي. ووصل الأمر بتقديس آنا فرانك إلى حدود المفارقة. الفيلسوف الألماني "تيودور أدوررنو" يروي المزحة السوداء الآتية: "حكى لي أحدهم قصة امرأة، شاهدت عرض برودواي المأخوذ عن دفتر يوميات آنا فرانك، والتي أرعبها ما رأته، الأمر الذي جعلها تعلق في النهاية: O.K، كان عليهم أن يتركوا على الأقل هذه البنت عل قيد الحياة".ربما لن يُحزن آنا فرانك هذا التقييم الفوق إنساني لها، فهي مثلها مثل أية فتاة ألمانية "عاقلة"، كانت تحلم بالتحول إلى نجمة سينمائية، تحلم أن تكتشف بالذات هوليوود موهبتها وشخصيتها. على أية حال تحقق حلمها، لكن بعد أن دفعت ثمناً غالياً، دفعت له حياتها:"أنت تعرف رغبتي المفضلة منذ وقت طويل"، كتبت في 12 مايو 1944 في دفتر يومياتها، "أن أصبح اولاً صحفية، ثم كاتبة مشهورة لاحقاً".وبما يتعلق بالكتابة، من المهم أن نعرف، بأنها مثل غونتر غراس وفالتير كيمبوفسكي وكريستا فولف ويورغن هابيرماس وهانز مغننوس أنتسينبيرغير، فهي الأخرى تنتمي أيضاً إلى الجيل الذي وُلد في عام 1929، الجيل الذي أٌطلق عليه "جيل مساعدي حاملي المشاعل النازية"، لأنهم كانوا في الشبيبة النازية يسيرون إلى جنب حاملي المشاعل الأكبر منهم سناً. هذا الجيل الذي كان عليه أن ينمو سريعاً بعد نهاية الحرب، والذي صعد بنفس السرعة في الوظيفة، إن لم يصبح بسرعة مشهوراً، لأن الجيل الذي سبقه إما مات في الحرب، أو انتهى للأسر أو كان ملطخاً بعار النازية بشكل فاضح. لكن آنا فرانك لم تحمل مشعلاً، مثل غونترغراس وزملائه إنما كانت مختفية وميتة، بالضبط في تلك السنوات التي كانت قوات العاصفة النازية تصنع من هؤلاء الصبية الصغار ذوي الرابعة أو الخامسة عشر عاماً نماذج لفتوة هتلر "الأبطال".ومن يقرأ يومياتها، كما فعلت أنا في هذه الأيام، سيتساءل مع نفسه بالتأكيد، ماذا لو كانت ما تزال على قيد الحياة؟ نعم، لنتخيل: لو كانت آنا فرانك ما تزال على قيد الحياة، لكانت بلغت في أيامنا هذه 83 عاماً، بالضبط في العمر الذي فيه غونتر غراس. ولو كانت ظلت على قيد الحياة، وكانت أصبحت بالفعل كاتبة - كما تمنت - لكان عليها أن تتنافس مع الإصدارات الجديدة لمارتين فالسير وغونتر غراس وأنتسينبيرغير. ولكن آنا فرانك لم تظل على قيد الحياة، لكي تمارس الكذب والنفاق الذي مارسه العديد من مجايليها المذكورين. كانت مطاردة وكان عليها أن تدخل سجل الذين قرر النازيون لهم الموت. ذات يوم وقبل سبعين عاماً بالضبط، عام 1942 ألصقت آنا فرانك صورة فتاة جميلة في دفتر يومياتها:"إنها صورة، كما أتمنى لنفسي أن أكون عليها دائماً. حينها ستسنح لي الفرصة بأن أصل إلى هوليوود. لكن حالياً، أبدو غالباً بشكل مختلف تماماً". ولحسن حظ آنا فرانك بأنها عرفت ذلك مبكراً: فهي ظلت بالفعل مختلفة حتى في موتها.
منطقة محررة:في ما خصّ الكاتبة الصغيرة آنا فرانك ومجايليها
نشر في: 29 يونيو, 2012: 04:43 م