علي حسين في خطاب جديد لرئيس الوزراء نوري المالكي ، سمعناه يقول :" لو أن جميع أطراف العملية السياسية عادوا إلى الدستور والتزموا به لما كنا اليوم نواجه أية مشكلة ، وإن جميع المشاكل تحل من خلال الدستور "، ولم يترك لنا أن نفهم، ما إذا كانت القضية المطروحة هي الاختلاف على الدستور أم الاختلاف على طريقة ادارة الحكم .
يحاول السيد المالكي ان يهيئنا على الأرجح، لما نعرف ونتوقع ، لكن الذي لايريد المالكي معرفته هو ان الناس تعرف جيدا ان رئيس الوزراء ابدل ملفات مهمة مثل الخدمات والتنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو " الصراع على السلطة ومنافعها " ، ففي كل يوم يصحو العراقيون على سؤال جديد، هل الحديث اليومي عن الدستور يمكن ان يعوضهم ، سنوات من التخبط والارتجالية والمحسوبية والانتهازية التي مارسها العديد من السياسيين؟، فبدلا من ان يكون سعي الساسة وعلى رأسهم المالكي الى ان يكون العراق تاريخا من الاستقرار ، تحول على ايديهم الى سلسلة طويلة من التجارب الفاشلة في الحكم ، مرة في الحديث عن اخطاء الدستور ومرة في في الاعلاء من شأن الدستور، ومرات عدة في السعي الى اقصاء الاخرين بكل الوسائل .تجارب في الفشل السياسي لم تتوقف منذ تسع سنوات ، ليجد الناس انفسهم كل يوم في مواجهة خطاب سياسي متلون، ورئيس وزراء لا يزال منذ ست سنوات يحارب مرة ضد الدستور ومرة مع الدستور ، ، مرة ضد سوريا ومرة علاقة خاصة مع حكامها ، مرة سمن وعسل مع دول الجوار ومرة حرب بلا هوادة مع البعض منهم . يخبرنا المالكي وهو واثق النبرات بأن الجلوس الى طاولة الحوار الوطني هو الطريق الوحيد المؤدي الى الاستقرار، وينسى جيدا ان ائتلافه لا يزال حتى هذه اللحظة يرفض التحاور مع شركائه السياسيين ، بل ان البعض منهم يعتبر مجرد التفكير في عقد المؤتمر الوطني كفرا وإلحادا وخروجا عن الملة . ودعونا نتساءل ترى ماذا يحدث لو ان المالكي لم يذهب الى الموصل وواصل طريقه باتجاه كردستان ، متوجها بشكل مباشر الى المختلفين معه ليقول لهم : لا ضرورة لخطب وبيانات ، انا هنا لأسمع مطالبكم ، ماذا لو قال للعراقيين انا اعرف جيدا ان هناك فشلا في كل شيء في الاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة ، وهذا الفشل لا يليق بشعب قدم تضحيات لعقود طويلة في سبيل التخلص من الاستبداد والدكتاتورية.ما الذي كان يخسره السيد المالكي لو انه توجه بخطابه للجميع ودعاهم الى المشاركة الحقيقية في الإصلاحات ، ما الذي كان سيخسره لو انه ادرك في وقت مبكر بانه لا يمكن لأحد بعد الآن ان يحتكر السلطة والرأي والقرار والقيادة . من العبث أن يحاول السيد المالكي قراءة المشهد على انه خلاف على الدستور بينما الواقع يقول ان ما يجري لا يخرج عن ا لفوضى والشغب السياسي الذي يمارسه معظم المسؤولين، ومن المضحك جدا ان يحاول السيد المالكي وضع تسميات لما يجري بعيدا عن معارك المصالح والمنافع.سيتهمني البعض بالتجني على السيد المالكي وإنني اختلق الوقائع والأحداث، ولكن صدقوني ان الأمور تمضي بهذا الشكل فرئيس الوزراء يريد منا ألا نتحدث عن المهلة التي أعطاها لنفسه بعد تظاهرات الشباب ، ولا عن غياب العدالة ومحاسبة ناهبي المال العام وعن تعطيل عجلة الاقتصاد، فلا تحريك لأي ملف ما لم يكمل المالكي كل خطاباته، لنكتشف في النهاية ان الاصلاح السياسي وملف الخدمات والأمن وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة متوقفة على تفسير جديد يضعه المالكي ومن معه للدستور . كنت اتمنى ان يترك المالكي الحديث عن الدستور وألغامه في هذا الوقت العصيب ويلتفت للجميع قائلا : أنا آت إليكم. لا تجتمعوا وحدكم فأنا متقدمكم.فقط أتخيل، لو قرر المالكي ان يتخذ هذه الخطوة ، لما احتاج إلى ان يذهب الى الموصل ليبشرنا بان المصالحة الوطنية حققت اهدافها ، وان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
العمود الثامن:خطاب آخر للمالكي
نشر في: 29 يونيو, 2012: 05:05 م