في النهاية كل شيء سيخلد إلى السكون، حيث الظلام والصمت، وذلفراس الشاروط اة الفاني، انه الصراع الأزلي رغم أن النتيجة محسومة سلفا، لكنه التمسك بجمالية الوجود ولو للحظات عسى أن تؤجل النهاية إلى وقت آخر. هذا الصراع هو محور فيلم (المدفون) للمخرج (رودريغوكورتز) فيلم ليس من السهل مشاهدته، وان أصررت على ذلك فما عليك سوى أن تسحب نفسا عميقا قبل الولوج الى الظلمة، ظلمة الصالة، وظلمة العالم السفلي.
بسيطة، أنك يوما تفتح عينيك مستيقظا من إغفاءة عميقة لتجد نفسك وحيدا داخل تابوت يلفك الصمت والعتمة، هذه الفكرة الفلسفية تتحول بلعبة درامية ذكية وبسيناريو (كريس سبارلنيك) الجميل الى فيلم مجنون، مونودراما من ممثل واحد (ريان رينولدز) على مدى ساعة ونصف وفي مكان واحد ضيق هو (التابوت)، نجح من خلاله المخرج والسيناريست بكسب ذلك التحدي الكبير بجعل كل حواس المشاهد يقظة على مدى زمن الفيلم دون أن يتسرب الملل لنا ولو للحظات، وجاعلين من ذلك الزمن الفيلمي/ السردي مكسبا آخر حين جعلوه مساويا للزمن الفعلي/ الحقيقي (ساعة ونصف) ، وتاركين للكاميرا مهمة سرد الحكاية صوريا كونها الراوي العالم بكل شيء وهي تصور احتضار بول في مساحة ضيقة خانقة متقشفة في إنارتها .يبدأ الفيلم من العتمة لينتهي بالعتمة، (أليست دراما الحياة هي هكذا، تبدأ بظلام وتنتهي بظلام)..... لا شيء سوى العتمة والصمت ولمدة دقيقة كاملة قبل أن نسمع صوت أنفاس وسعال، ثم صوت حركة تبدو من خلال المجرى الصوتي أنها محصورة في نطاق خشبي ضيق، ثم يأتي الضوء عبر ولاعة، بلقطة كبيرة تكشف لنا عن أنف وعين قبل ان نفز مع البطل على صوت هاتف محمول يرتج، (بول) يتفاجأ بالصوت، يجيب على الهاتف، ومع إجابته ندخل مباشرة إلى عالم الفيلم وأزمة البطل المحتجز في تابوت مدفون تحت الأرض، لكن هل هو ميت؟ أم في إغماءة؟ وما هو سبب وجود الهاتف والولاعة والقلم معه؟ سلسلة متصلة من الأسئلة والمآزق يمر بها البطل نكون منشغلين معه في كيفية الإجابة عنها أو الخلاص منها.تنكشف خيوط الحبكة شيئاً فشيئاً لنتعرف على حكاية بول وما الذي أوصله الى ان يكون تحت الارض جثة حية تقتصد بضوء الولاعة حفاظا على الأوكسجين، وبضوء الموبايل حفاظا على شحن البطارية من النفاد، هذا النقال الذي يؤدي دورا مهما في أزمة البطل فمن خلاله يحاول النفاذ من المأزق - الموت حيا - الذي هو فيه، مثلما هو العامل البصري الذي نرى من خلاله ما يحدث خارج التابوت – الحياة - عبر الرسائل المصورة التي يرسلها خاطفوه ، كما انه وجهة النظر الثانية التي تروي في بعض الأحيان حين يقوم بول بتسجيل رسالته المصورة عليه.فيلم (المدفون) لم يحاول أن يقدم رسالة فلسفية عن عبثية الموت أيام الحرب، ولا رسالة إنسانية أيضا عن الإنسان ووجوده في هذا العالم الفوضوي، بل جاهد ليضيف رسالة سياسية أيضا عن الأمريكي وأهميته كمواطن بالنسبة للسياسي الذي زجّه في ورطة كبيرة اسمها (الحرب) حتى لو لم يكن لذلك الفرد علاقة بلعبة الموت المجنونة هذه، بول مجرد سائق شاحنة في شركة أمنية خاصة، لم يقتل أحدا يوما، ولم يحمل سلاحا أبدا، لكن بالنسبة لرجال المقاومة هو أمريكي ومحتل، ومحنة الأمريكان في العراق هي ليست إلا تابوت ولا يهم ان نجوا أو ماتوا، المهم الا يكونوا مادة دسمة للقنوات الفضائية تؤجج الرأي العام، او صرخة غضب في فم مايكل مور.
المدفون..أن تكون حياً تحت التراب
نشر في: 29 يونيو, 2012: 05:12 م