علي النجار2-2بالنسبة لنشأة الواقعية الفنية الجديدة في إيران، فالأمر مختلف عما هو في الصين. إذ أن لهيمنة الدين السياسي بشكل مطلق على مفاصل الدولة منذ استيلاء الثورة الإسلامية (1979) عليها, الدور المهم في ظهور العديد من الأسماء الفنية التي كرست الواقعية الاجتماعية في شقها الاعتراضي مدارا لعمله،.
وإن اضطر عدد قليل من الفنانين الصينيين للهجرة، فان أعدادا كبيرة من الفنانين الإيرانيين تعرضوا للحظر أو النفي والتشريد، أو هاجروا بعد ذلك طوعا وللحد الذي تأسس فيه جيل فني مهاجر جديد في أوربا والولايات المتحدة. تناولت أعمال هؤلاء الفنانين مظاهر التناقضات الصارخة التي عمت الحياة الاجتماعية للشعب، كالفصل ما بين الرجل والمرأة, وتعميم الحجاب، وقضايا الجنس والمثلية والقمع السياسي باسم سلطة الدين والتجاوز على حقوق الإنسان بشكل عام. شيرين نشأت (المغتربة) تناولت الفصل الجنسي في أعمالها الفوتوغرافية والفيديوية، منذ نهاية السبعينيات وحتى سمح لها بالعمل لفترة زمنية قصيرة ومتأخرة في إيران، كذلك أعمال شادرين الفوتوغرافية، وان تكن أعمال هاتين الفنانتين تتميز بذكاء كادرها الصوري وعمق فكرتها, وسهولة تلقيها، لكن ليس كل الفنانين اشتغلوا بنفس روحية أعمال نشأت، فبعضهم حاول إقحام رموز الإرهاب الإسلامي كطريق اقصر للشهرة الإعلامية، كما في رسوم (عمادي مكان) الذي اشتغل على نفس موضوعة الفصل الجنسي، لكنه نفذ رسوما فضائحية, رغم تقنيتها البدائية، إلا أنها أخذت طريقها للشهرة الإعلامية كونها خلطت بين رموز الإرهاب بالحجاب والجنس في آن واحد. ولكونه مقيما في الولايات المتحدة، فان مجال الحرية مفتوح له ليعمل ما يشاء. وليكسب ما يشاء. فالحجاب عنده مرتبط بالدعارة والإرهاب، متجاوزا أصل طبيعته كإرث سلوكي شعبي محلي، لعب الدين الشعبي دورا كبيرا في الإبقاء على ممارسته, والتشهير بمخالفيه. فأصل مشكلة هذا الزي التقليدي, يكمن في مدى قناعة المرأة المسلمة به. إضافة للإرث الرجولي الديني الطاغي لدى هذه الشعوب وما يشكله من ضغط نفسي. واعتقد أن مشكلة العزل الجنسي ورموزه يجب أن يتناولها الفنان من خلال تفكيك مظهريتها الاقصائية النسوية. وكما فعلت في أعمالها نشأت, أو شادرين وغيرهما. وكما يتناول هذه القضية الفنان المقيم في طهران (احمد مرشدلو) . أحمد مرشدلو لم يغادر طهران وأنتج أعمالا واقعية اجتماعية معاصرة مهمة. حاورت رسوماته الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الإيراني المعاصر. لا تشهيرا، بل تثبيتا لقسمات أناسه من كلا الجنسين في خلطة تجميعية تجمع بين واقع الحال التقليدي والنوازع التحررية للمرأة والمحيط، التي ترتدي الحجاب جنب المتحررة وجنب الرجل التقليدي, وحتى لو كان في عري جسده العلوي وكما مظهره في العاب الروزخانة الرياضية التقليدية. أو كما هو على شكل ترهله الذي يعبر عن معان شتى. مثل السطوة الفارغة, اللامبالاة, بؤس الحال وخراب الجسد. هو يجمع بين المتضادات كما يقرأها كثقافة اجتماعية ترنو الى تجاوز محظوراتها, ويقدمها خطابا جماليا ملتبسة مشهديته, لكنه يحمل رسالة تجاوزية واضحة نواياها. تاريخ الفن الإيراني متشابهة مساراته بعض الشيء وتاريخ الفن الصيني المجاور. في اشتغالات ارثه الثقافي ـ الفني منذ عصور الإمبراطوريات والإقطاعيات, وحتى ثقافات دياناته, في تقاربها أو اختلافاتها. وخلف لنا أعمالا رفيعة المستوى. مثلما ترك هذا الإرث بصماته الواضحة على الفن الإسلامي والحديث. وعلى كلا البلدين. لكن وبمثل ما اثر الزمن العولمي المعاصر على فناني الطليعة المعاصرة الصينيين. كذلك تأثيره على خيرة فناني إيران المعاصرين أيضا. مرشدلو هو الآخر استفاد من ذلك في اختياره لمنطقة أدائه وتقنياته التي جمعت بين الكولاج والتجميع ومسحة فوتو الملامح, لكن بمهارة تقنية الرسم الواقعي التي تدرب عليها أكاديميا. لقد اختار وسيلة الرسم لينتج أعماله التي تحمل غرابة شفيفة ليست صادمة, واستطاع التعبير عن نوازعه الثقافية, متمردا على سلطة التابو الديني الرسمي ومحظوراته في نفس الوقت بحدود ما يستطيعه. ومؤسسا لخطاب إنساني يبحث عن جوهر الذات الإنسانية, متجاوزا قشرتها الخارجية. رسوماته لا تحمل سخرية صارخة , كما في أعمال الصيني يي. بل هي تسخر من القيود أو الحدود المفروضة على الحرية الشخصية في بلده, لكن من دون تجريح للمشاعر الجماعية, كما عند بعض من أقرانه. فإن كانت خارطة ملامح أناسه تكشف غالبا عن المسكوت عنه. فهو ثبتها كما هي من دون مداهنة أو تزويق. أعماله هي الأخرى أصبحت مطلوبة في السوق العولمي بعد أن تجاوزت محيطها المحلي، حالها حال أعمال الكثير من جيله الفني المعاصر، سواء بعض من بقي منهم مقيم في إيران، أو من هاجر. المهم في الأمر, إن غالبية أعمالهم، سواء كانت رسما أم نحتا أم منفذة بتقنيات ووسائل مختلطة، أم فلما, فإنها تنتمي إلى نمط الواقعية الاجتماع. &a
الواقعية الاجتماعية الآسيوية بين الواقع والسخرية منه
نشر في: 29 يونيو, 2012: 07:00 م