عدنان حسين هذه الفكرة لا يُمكن بأي حال أن تخطر في بال أحد ممّن يمسكون بالسلطة في بلادنا، لا في الحكومة ولا في البرلمان، فالطبقة السياسية لدينا ومعها الكادر الرئيس في الدولة، منشغلة بأشياء أخرى تغطي مساحة الدماغ كله ولا تترك حتى ما حجمه مسامة واحدة للتأمل وإنتاج فكرة من هذا النوع.
الفكرة برازيلية المنشأ، فالحكومة البرازيلية قررت أخيراً، بعدما توهجت فكرة عبقرية في ذهن مسؤول فيها يحب وطنه، تقديم نظام اجتماعي جديد يخدم المجتمع ويخفف من ثقل السجون المكتظة بالمجرمين المحكوم عليهم بعقوبات مشددة. النظام يقوم على القراءة والكتابة لتقصير مدة العقوبة المفروضة من قبل الهيئة القضائية العليا. يقضي هذا النظام بتخفيف العقوبة 4 أيام عند الانتهاء من قراءة كتاب واحد. وأعلنت السلطات الحكومية أنه سيتعين على السجناء قراءة ما يصل إلى 12 كتاباً أدبياً وفلسفياً وفي العلوم لخفض مدة أقصاها 48 يوماً من مدة عقوبتهم في كل سنة. وسيتعين على السجناء قراءة كتاب كل 4 أسابيع وأيضاً كتابة مقال يتكون من فقرات واضحة خالية من الأخطاء اللغوية ومنظمة ومرتبة بشكل احترافي. وستشرف على هذا النظام لجنة خاصة ستقرر أيّ السجناء مؤهلٌ للمشاركة في البرنامج الذي أطلق عليه اسم "الخلاص من خلال القراءة".نحن أيضاً لدينا مسؤولون أذكياء وشطّار ولكنهم لا يفكرون على الطريقة البرازيلية فهم ينقصهم ما يتمتع به صاحب الفكرة البرازيلية، حب الوطن، وهم يوظفون كفاءاتهم ومواهبهم في المزيد من تجهيل المجتمع وتخلفه.أمس أطلقت مؤسسة المدى برنامجها المشجع على القراءة واقتناء الكتب "كتاب المدى للجميع". وبموجب هذا البرنامج الذي أعلن عنه من بيت المدى في شارع المتنبي بالعاصمة، سيتمكن القراء من شراء الكتب بنصف سعرها، ليس فقط إصدارات المؤسسة وإنما كل ما يتوفر لها من كتب (85 ألف عنوان)، وقد اختير للبرنامج شعار جذاب "نص عليك ونص علينا".ازدحم بيت المدى أمس بالرواد على نحو لافت، وبدا الإقبال على شراء الكتب طيباً.أكبر مؤسسة يُفترض أن تُعنى بالقراءة والنشر هي وزارة الثقافة. وكان من اللازم أن ترصد الدولة أموالاً كبيرة لهذه الوزارة لكي تنهض بدورها في معالجة الخلل الخطير الذي تركه نظام صدام على الصعيد الثقافي، وبخاصة في مجال القراءة، حيث حولتنا عقود من الحروب والحصار والاحتلال إلى شعب شبه أمي. ومن النادر للغاية الآن أن أرى شخصاً يحمل كتاباً أو صحيفة.اعرف أن طبقتنا السياسية منشغلة بأشياء أخرى تنظر إليها بوصفها كبيرة فيما تنظر إلى مسألة القراءة والثقافة بوصفها صغيرة وربما تافهة لا تستحق الاهتمام.لهذا فأنني لا أقترح على وزارة الثقافة ولا على وزارة العدل ولا على رئاسة الحكومة أن تستورد الفكرة البرازيلية لتطبيقها في السجون والمعتقلات الخاصة بمرتكبي الجنح والجنايات غير الخطيرة.. الاقتراح أقدمه إلى دور النشر لتخصيص نسبة مئوية (من 1 إلى 5 بالمئة) من إصداراتها لإرسالها إلى السجون والمعتقلات، فهي بهذا تساهم في نشر الثقافة وعادة القراءة وفي تهذيب أرواح وسلوكيات أشخاص يحتاجون أكثر من غيرهم إلى التهذيب والإصلاح.
شناشيل :فكرة عبقرية من البرازيل
نشر في: 29 يونيو, 2012: 10:53 م