احمد المهنا أرذل العمر مثل دربونة لها مدخل وليس لها مخرج. وأنت ما أن تلجها حتى ينغلق عليك المدخل نفسه، بصبة من صبات عصر "الديمقراطية الفتية". وكل شيء يشيخ مبكرا في العراق. فالأطفال "بسوالفها زلم"، وألوف النخلات الطفلات التي زرعت قبل شهور في مناطق عدة من بغداد يقال انها شاخت أيضا قبل أن تثمر ودخلت الدربونة المسدودة، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الموت.
كل شيء يشيخ عندنا قبل الأوان ماعدا "الديمقراطية". صحيح أنها الأخرى دخلت دربونة مسدودة. ولكنها تظل "فتية". ولربما ولدت الديمقراطية أصلا لتصوير استحالة نضج الانسان. الا نرى انها حيثما وجدت عبارة عن "نقرة" في البرلمان، وفي الإعلام، وبين الناس. حيث الكل "يتناقرون" وكأنهم أطفال.ولكن ليست هذه هي الحقيقة. فالأطفال لا "يتناقرون" بالحسنى كما يفعل الكبار. خذوا مثلا رغبة البعض في استجواب المالكي. ان الاستجواب، من وجهة نظري، "نقرة" بين رجال مسؤولين. المستجوِب لديه ما يعتقد انه أخطاء أو خطايا يريد أن يسائل أو يحاسب عليها المستجوَب. والمستجوَب رجل قدها ومستعد للدخول في "نقرة" والخروج منها لو هرا لو ورا.أبد غير ممكن! قال المالكي وردد فريقه. ان الديمقراطي الفتي لا يقبل على نفسه هذه "النقرة". وانما يفضل عليها تهديم الملعب واعادة بنائه، عبر انتخابات مبكرة. وربما لو كنت محله لفعلت الشيء نفسه. فلست سويسريا لأميز بين "النقرة" وبين "العركة"، أو بين "الحوار" وبين "المهانة"، بين سن الرشد المحكوم بالثواب والعقاب، وبين سن "الفتوة" الحر المتحرر من قفص المساءلة والحساب والكتاب.ان "الفتى" قصير النفس.الحرب أحب اليه من النقرة. والراشد طويل النفس. يناقر ويسالم. ومن حسن الحظ ان لدينا شيئا فتيا. ولكن من سوء الحظ أن يكون هذا الشيء مكلفا ومرا. فهذا الشيء الفتي قد يكون مسؤولا عن دخول البلد وكل ما فيه الى الكهولة المبكرة. من الطفل الذي يصبح ويمسي على قلة الأمان، الى النخلة التي تزرع اليوم لتموت غدا.وظل الموت عميم مسيطر على كل كائن يدخل أرذل العمر في الأوان أو قبل الأوان. ففي هذه المرحلة يبدأ الانسان بالشعور بأن له جسدا. فيوم يجد عضلة في ساقه وقد تشنجت. أو ان المفاصل "نطقت" وقالت آخ. وهناك ارتفاع السكر والضغط والكولسترول الذي أصبح زلاطة. ثم الجلطات الثانوية التي تهدد بأخرى رئيسية.أين كنت مضموما يا هذا الجسد العجيب. سكت دهرا ونطقت كفرا. سكت منذ الولادة ولم تنطق الا في ارذل العمر. هذه الدربونة التي لا تطلع. أو تطلع ولكن فقط الى الموت. وبالمناسبة لماذا أحب أبو العلاء المعري الموت؟ الرجل رأى نفسه صائما العمر كله وانه سيفطر فقط عند الموت وعنده فقط سيعرف العيد:"أنا صائم طول الحياة وانما فطري الحِمام ويوم ذاك أعيد"ولو قال ان الموت حل ففي الأمر باب وجواب. أما أن يكون عيدا فهذا مما لا يمكن فهمه الا في سياق محنة ابي العلاء.لكن داعيكم أحب دربونته المسدوة. اي والله. وقد وجدت نفسي في الحال التي صورها المتنبي بهذا البيت: خلقت ألوفا لو رجعت الى الصبا..لفارقت شيبي موجع القلب باكياالعوض بالألفة!
أحاديث شفوية:دربونة أرذل العمر
نشر في: 29 يونيو, 2012: 10:57 م