علي حسين هناك أمور كثيرة تنغصّ عليّ حياتي، بعضها يمكن احتماله، أملا في أن يتكفل الزمن بحلها، وبعضها أشبه بالقدر الذي لا فكاك منه مثل دستور المالكي وتصريحات عباس البياتي والظهور المستمر لنجمة البرلمان عالية نصيف وتقلبات صالح المطلك. لكن من بين اكبر المنغصات التي تواجهني هي حالة السيد صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد الذي يتوهم أن أهالي المدينة نصبوه رئيسا لجمهوريتهم المستقلة التي ترفع شعار: " كل شيء يهون من اجل راحة ومتعة رئيسنا الهمام" إذ إنني كلما سمعت بهذا الاسم أصاب بالدوار والضجر والهموم
حالة المحافظ وأشباهه من سياسيي العصر الجديد أدت إلى خراب واحدة من أهم وأغنى عواصم العالم واعني بها بغداد، فالرجل يعتقد انه حرر المدينة من الأمريكان، وعليه لابد لأهالي العاصمة التي تعيش بفضله أزهى عصورها أن يحملوا له هذا الجميل ويعاونوه على تحقيق رغباته وهي بسيطة لا تتعدى محاولة الاستمتاع بعطلته الأسبوعية بعد أيام مرهقة وشاقة من العمل من اجل أن تبقى بغداد في الترتيب الأول بين دول العالم، فهو لا يغمض له جفن خوفا من أن تستولي نيويورك أو دبي أو حتى طوكيو على المكانة التي وصلت إليها بغداد بعد طول سهر وعناء وبمعاونة أعضاء المجلس الأشاوس وتفانيهم وإخلاصهم. ولأن المحافظ يحسب نفسه على طائفة المثقفين وعشاق الكتاب، تأخذه قدماه بين الحين والآخر إلى شارع المتنبي ليشارك رواده عشقهم للكتاب واحتفاءهم به مصطحبا معه ارتال لا تعد ولا تحصى من سيارات الجيش والشرطة التي تصيب جميع الشوارع المؤدية إلى المتنبي بالشلل، ولأن الناس تعيش عصر قرقوش السياسي فلا أحد يعرف ماذا يجري ولماذا كل هذه الضجة والسيد المحافظ سيمر وسط أناس مسالمين لا يعرفون طريقا إلى لغة السلاح ولا ينتمون إلى المليشيات ولم يشهروا يوما كواتم الصوت بوجه احد. فأمس تحولت زيارة المحافظ الترويحية للمنطقة المحيطة بشارع المتنبي إلى ساحة حرب لا يمكن تخطيها فالقوات التي رافقت المحافظ في نزهته البريئة، قررت وفي لحظة الهام وخوفا عليه من عيون الحساد أن تغلق كل المنافذ المؤدية إلى الشارع والسماح بمنفذ واحد فقط شريطة ألا تدخله المركبات، مما اضطر الناس إلى السير مسافات طويلة، ولان المثقفين على نياتهم فقد توهموا أن السيد المحافظ ومعه القيادي كمال الساعدي جاءوا ليحضروا التأبين الذي اقامه زملاء وأصدقاء شيخ الكُتبيين نعيم الشطري لكن ظنونهم سرعان ما خابت بعد ان اكتشفوا أن السيد المحافظ قرر أن يأكل البرياني على ساحل دجلة وان يبرهن لضيفته المطربة مادلين مطر أن بغداد لا تزال تعيش ليالي ألف ليلة وليلة. تدرك الناس جيدا أنها تعيش في هذا البلد المسروق من أهله مع ساسة ومسؤولين أحاطوا أنفسهم ومكاتبهم بأسوار عالية وجدران عازلة يستحيل اختراقها، لا يلتقون بالناس وجها لوجه، لا يصافحونهم إلا بعد معرفة انتمائهم الطائفي، وفي مرات قليلة يقرر بعض المقربين جلب كومبارس يهتفون باسم منقذ الوطن وحامي الأمة.لا أظن أن هناك دولة في العالم تحرم مواطنيها من التحرك بحرية، وتعطل الشوارع لمجرد زيارة ترفيهية يقوم بها المحافظ إلا في بغداد المتفردة دائما بما ليس موجودا في العالم كله.أعرف أن بعض الرسميين يغضبهم كثيرا أن يكون ملف الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان حاضرا في الإعلام، على اعتبار أنهم يرون أن العراق يسبح بالديمقراطية وبأنهار وبحور من الحريات، وان المسؤولين هم أناس عاديون لا تنتابهم بين الحين والآخر لوثة القائد الرمز والزعيم الضرورة.فيا أيها السيد المحافظ .. لماذا لا تجرب لمرة واحدة أن تسير بحريتك في الشارع وان تراهن على الثقة في الناس.للأسف ما جرى امس في شارع المتنبي وما يجري في معظم مدن العراق يؤكد أننا نعيش في ظل نظام حكم عبارة عن شبكة مصالح، يقوم على تبادل المنافع والمحسوبية والانتهازية ومن ثم فإن معيار الحكم فيه يعتمد على التكيف والتعايش التام مع الفساد الذي نرى طلائعه كل يوم في حمايات المسؤولين.
العمود الثامن:محافظ بغداد يعتقل المتنبي
نشر في: 29 يونيو, 2012: 10:58 م