أ.د.قاسم حسين صالح* الواقعة: في الأسبوع الثالث من شهر أيار هذا العام(2012) شاعت خرافة مفادها أن طفلا نطق في ساعة ولادته محذّرا الناس من مرض خطر ..الوقاية منه لا تكون بغير الحنّاء..ثم فارق الحياة. وبحسب جريدة المدى(العدد 2389في 21/5/12) "فإن الأمر تطور ليصل إلى دور العبادة،وعلم الفلك ويأخذ جوانب اقتصادية وثقافية واجتماعية".وأنها- الخرافة -
"أفرغت العراق من الحنّاء وجعلت إيران تتهيأ لإرسال شاحنات حنّاء إلى العراق"بحسب الكاتب أحمد عبد الحسين..وأن سعر الكيس الواحد منه قفز من ألفي دينار إلى خمسة آلاف دينار،وان أسواق الحلة نفدت من الحنّاء..وفقا لتقرير صحفي من بابل أعده ساجدة ناهي وحيدر الحيدري.توطئة في التوقعينفرد الإنسان بأنه المخلوق الوحيد الذي يمتلك القدرة على التوقع، و نقصد بالتوقع تفسير الإنسان لما سيقع له من أحداث وما يظهر عليه من تصرّف قبل وقوعها . غير أن الناس يختلفون في طريقة تفسيرهم لما سيقع من أحداث، وفي نوع المعنى الذي يضفونه على تلك الأحداث، ومدى تأثيرها فيه أو في الآخرين .ويمكنك تصنيف التوقع على أنواع : خير وشر ، صح وخطأ ، توقع عقلاني مقابل توقع غير عقلاني ... ولك أن تضيف أنواعا" أخرى .وبخلاف العديد من النظريات النفسية (لاسيما الفرويدية) التي ترى أن خبرات الماضي هي التي تحدد سلوك الحاضر ، فإن التوقع يبنى على فرضية مفادها : أن الأحداث التي ستقع في المستقبل ، وليس الخبرة التي اكتسبها في الماضي ، هي التي تقرر نوع السلوك الذي يتصرف به الإنسان في زمنه الحاضر ، وأن تباين الناس في سلوكهم لا يعود بالدرجة الأولى إلى تباينهم في ما اكتسبوه من خبرات وتعليمات إنما يعود إلى تباينهم في تصنيف طبيعة الأحداث التي يتوقعونها، وطريقة تفسيرهم لها ونوع المعنى الذي يضفونه عليها .ولا يقتصر تأثير التوقع على سلوكهم وتصرفاتهم بل يتعداه إلى ما يصيبهم من أمراض أو اضطرابات نفسية ، بمعنى أن هنالك أمراضا" نفسية تصيب الإنسان لا لسبب وراثي ( جينات ) أو صدمات أو خبرات في الماضي، إنما ( التوقعات ) بالمعنى الذي أوضحناه. التطيّر لقد مهدنا للتطير بتوطئة عن التوقع ، لأن التطير هو طريقة أو أسلوب في التفكير يتعلق بما سيقع للفرد من أحداث . هذا يعني أن البعد الزمني للتطير هو المستقبل، غير أن تأثيره في السلوك يظهر في الحاضر . فإذا توقعت مثلا" ، أن خاك الغائب عنك من عشر سنين سيأتي غدا"، فإن مزاج الفرح يظهر عليك اليوم ، وإذا توقعت أن صديقك الراقد في المستشفى سيموت غدا" ، فإن انفعال الحزن يظهر عليك اليوم . بهذا المعنى فان التطير حالة سيكولوجية خالصة، من حيث أن مضمونها الرئيسي هو القلق الناجم عن احتمالات متناقضة وأحيانا حادة ، بين خوف من شرّ مرتقب وبين خير وفير آت . ولأن التطير ينتمي إلى التفكير الخرافي، عليه يفضّل أن نعرف ما هو علمي عن هذا النوع من التفكير لتكتمل عندك الصورة .التفكير الخرافي إن التفكير عند الإنسان كان في الأصل خرافيا"، ونقصد بالتفكير الخرافي تفسير الظاهرة بغير أسبابها الحقيقية العلّية، أو عزو نتائج عمل معين أو حادث إلى غير مسبباته الفعلية. ويميل الرأي إلى الاعتقاد بأن الظواهر الطبيعية التي تقع خارج سيطرة الإنسان من قبيل : الأعاصير ، الزلازل ، الطوفان ، الرعد والبرق .. كان يجري تفسيرها في البدء على أنها تحدث بفعل قوى غير طبيعية ، وكان " اختلال " عقل الإنسان أو أصابته بالجنون يخضع للتفسير نفسه . فالجماجم التي وجدت فيها ثقوب صغيرة جرى تفسيرها على أنها تعود لأشخاص أصيبوا بأمراض عقلية ، وان أسلافنا الأولين كانوا " يعالجون " هؤلاء بفتح ثقوب في جماجمهم لاعتقادهم بوجود أرواح شريرة في داخلها ، وان فتح هذه الثقوب يساعد على طرد الأرواح الشريرة من أدمغتهم. وكان البابليون ينظرون إلى الإنسان " المخبول " على انه مبتلى بعفريت هو سبب مرضه ، وان هنالك روحا" أو عفريتا لكل مرض . ومثل هذا الاعتقاد كان موجودا" لدى الصينيين والإغريقيين ، الذين كانوا يعزون " الجنون " أو الشذوذ في السلوك، إلى أن الشخص تمتلكه روح شريرة بعد أن يسحب عنه الإلة حمايته له. وكانت مثل هذه الاعتقادات والخرافات شائعة حتى في أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، وانتشر السحر والسحرة فيها حتى القرن الثامن عشر ، وهي حالة حتمية بسبب الحروب والمجاعة والأوبئة التي شهدتها أوروبا في تلك العصور. كان ذلك حال الناس قبل نشوء العلم ، وهم معذورون عن تفكيرهم الخرافي ، لكن العذر يكون باهتا" لمن يعيش في عصر العلم ولما يزل يؤمن بالخرافه .. بل انك ترى " أكاديميين " بينهم حملة دكتوراه لديهم خرافاتهم التي يعتقدون بها . وقد يعزى السبب إلى أن خلايا دماغ الإنسان كانت قد تدربت أو تقولبت عبر ملايين السنين على التفكير الخرافي ، وأن فيها من " الترسبات " ما لا يستطيع العلم الحديث محوه ، أو لأن مصدر الخرافة في الأصل كان عقيدة شبه دينية ، على ما يرى الباحثان ( انجلش وانجلش ) ، أو لأنها فلكلور شعبي يحبه الناس على ما يرى الباحث " هل " ، أو إنها اعتقاد راسخ في القوى فوق الطبيعة وفي الإجراءات السحرية المخدرة
الخرافة وعلاقتها بسيكولوجيا التطيّر (1-2)
نشر في: 30 يونيو, 2012: 06:26 م