TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل:حين كنّا نقّبل ُ الكتاب ورغيف الخبز

قناديل:حين كنّا نقّبل ُ الكتاب ورغيف الخبز

نشر في: 30 يونيو, 2012: 08:21 م

 لطفية الدليمي يقرأ كلٌ منا الكتب ليتمتع ويتعلم ويعرف لا ليصدر أحكاما  أو يخضع لأوامر مسبقة  لقراءة كتاب أو حظر آخر  فقد انتهى زمن توجيه الثقافة والقراءة وجهة تخدم  الأيدلوجيات المهيمنة يسارية أو يمينية على عقول الناس  في عصر الانترنيت وتوفر معظم الكتب التي أنتجتها البشرية طوال العصور على الشبكة وفات أصحاب الأيدلوجيات أن المواطنين لم يعودوا رعية محكومة من قبلهم  وما عاد بوسعهم إلغاء  دور العقل  في الاختيار ودور الوعي في اتخاذ المواقف ،
 فقارئ الكتاب   يقرأ فنا وإبداعا  ولا يصدر أحكاما مسبقة ولكننا نجد بين من يعدون (مثقفين) أناسا مذعنين للأحكام المسبقة فهم لا يزالون يعتبرون  أعمال ( سلمان رشدي ) على سبيل المثال أعمالا تافهة، وأن  قراءتها هدر  للوقت  بناء على أحكام الغير دون  أن يكلفوا أنفسهم  مشقة قراءتها  ليستنبطوا آراءهم الشخصية عبر وعيهم الخاص فلهذا الكاتب أعمال كبيرة  كرواية  ( أطفال منتصف الليل )  ورواية ( هارون وبحر الحكايا )  و( شاليمار المهرج ) ولو تصدينا لقراءتها لاكتشفنا  مدى جهلنا  بإبداع الكاتب  الذي صار موضع ريبة بعض المثقفين الاتباعيين بسبب روايته الإشكالية المعروفة بـ(الآيات الشيطانية) وبات الحكم  لدى القراء الاتباعيين حكما قاطعا  بسبب الاعتماد المفرط على الرؤية الرقابية للحكام ونشر الشائعة وتضخيمها انسياقا مع  سلطة الايدلوجيا المهيمنة.  وأضع هنا مقطعا من مقالة لرشدي عنوانها (كم من الأشياء المقدسة؟) من كتاب دراساته النقدية ومقالاته (أوطان متخيلة) يحدثنا فيها عن عادة تقبيل الخبز والكتب في المجتمع الهندي المسلم  فيقول: (نشأت على عادة تقبيل الكتب ورغيف الخبز ففي بيتنا وعندما يسقط أحدنا كتابا أو قطعة خبز فإن ما يسقط أرضا يفرض علينا، ليس التقاطه من الأرض حسب ، بل  تقبيله كأسلوب اعتذار عن تصرفنا الأخرق حين أسقطناه على الأرض ولأني كنت طفلا مهملا ولي أصابع رخوة كمعظم الأطفال في عمري فقد قمت حينها بتقبيل عدد هائل من قطع خبز (الشاباتي ) والكتب  وكانت البيوت الهندية  ولا تزال إلى يومنا هذا تضم أشخاصا يحافظون على عادة تقبيل الكتب المقدسة  أما في بيتنا فقد كنا نقبّل جميع الكتب: القواميس والأطالس والروايات ومجلات سوبر مان ذات رسوم الكوميكس حتى أنني كنت أقبل دليل التلفون عندما أسقطه وارفعه عن الأرض كل هذا حدث لي قبل أن أحظى بأول قبلة من فتاة، الخبز والكتب هما غذاء الجسد والروح، فأي شيء يستحق احترامنا أكثر منهما حتى لو كان الحب نفسه؟ لقد كانت صدمتي هائلة وأنا أرى أناسا لا يبجلون الكتب ولا يقدسونها أو آخرين يحتقرون فعل القراءة فكيف باحترام الكتابة؟). إنها التفاتة جميلة الى طفولة وعينا سواء كنا  في الريف ام المدينة، ففي العراق نبدي جميعنا هذا التقديس للكتب والخبز وكنا ولا نزال نرفع قطعة الخبز عن الأرض ونضعها على جدار مرتفع حتى لا تطأها أقدام العابرين لأنها النعمة العظيمة المقدسة التي تديم الحياة ولعل تقديس الكتاب عادة سبقت الأديان ففي التراث السومري كان تعلم القراءة واكتساب العلم والمعرفة من الأمور ذات القدسية الأكيدة في المجتمع الرافديني وكان الطلبة الذين يتعلمون الكتابة والخط المسماري وقراءة النصوص المقدسة يحظون بالتبجيل والاحترام.كم هو أنساني أن نقرأ ما نود قراءته من إبداع تخييلي دون إصدار أحكام على كاتبه، انطلاقا من إيماننا بحرية التعبير والإبداع التي لا تتجزأ ولا يمكننا  مصادرتها من الآخر وإباحتها لأنفسنا ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram