سليمة قاسم تقول نكتة طريفة إن فريق العمارة بكرة القدم خاض مباراة مصيرية مع فريق برشلونة الأسباني، وحين شعر مدرب فريق العمارة بقرب وقوع الخسارة وثقل وطأتها، انسحب من أرض الملعب لينزوي في أحد المقاهي، خوفا من ردود أفعال غاضبة من مشجعي فريقه، وفيما هو كذلك وإذا به يرى فريقه حاملا كأس البطولة ويردد أهزوجة " جيب الكاس جيبه" اسرع المدرب ليستفسر من لاعبيه
عن كيفية فوزهم على فريق البرشا، وهنا اخبره اللاعبون ان ميسي لاعب برشلونة الشهير ضرب "محيسن" اشهر لاعبي فريق العمارة وكسر ساقه، فانتزعوا كأس البطولة عنوة كفصل عشائري على فعلة ميسي بحق محيسن!هذه النكتة تحكي الى حد بعيد واقع حال بدأ بالظهور والتشكل منذ سنوات الحصار تحديدا، فقد وصل العرف العشائري الذي يسمى باللغة الدارجة( الفصل) حتى ملاعب الكرة التي يفترض ان يتحلى مريدوها بروح رياضية عالية، وهذا الأمر لا تؤكده النكتة فقط، فقد سمعنا عن الفصل العشائري الشهير الذي شهدته إحدى المحافظات بعد شجار حاد بين مشجعي البرشا والريال. فالفصل في ابسط صوره يعني الدفاع عن المظلوم واخذ حقه من ظالميه وفقا للعرف العشائري الموروث، لكنه تحول الى طريقة لابتزاز الناس ونهب أموالهم بحجج وذرائع واهية وبمبالغ خيالية اضطر معها الكثيرون الى بيع بيوتهم وكل ما يملكون لدفع الفصل العشائري، ودعوني احكي لكم فصول عجيبة وغريبة عن تقليعة هذا العرف، التي اصبحت رائجة هذه الايام،لعلها تغنيكم عن الوقوع في فخاخه بعد ان اصبح يعتمد على التجديد والغرائبية!ففي محافظة البصرة وبعد عودته من السفر كانت المفاجأة بانتظار المهندس الشاب، حيث وجد قرب البوابة الداخلية لبيته جثة رجل وبالقرب منها أدوات كان يريد استخدامها في فتح البوابة قبل ان تصعقه الكهرباء –وهو فعل احترازي اتخذه بعد كثرة حوادث السطو على بيته- توجه بعدها لمركز الشرطة وتم رفع الجثة وسجل الحادث على انه قضاء وقدر.لكن أهل اللص الذي قتلته الكهرباء كان لهم رائيا اخر،فقد زار المهندس وفد عشائري غاضب اخبره بضرورة دفع دية لذوي الميت كونه لقي حتفه في بيته، واضطر فيما بعد الى دفع فصل اكبر بكثير مما كان اللص ينوي سرقته من منزله!فقضية المهندس واحدة من عشرات القضايا التي بت فيها القانون لكن العشيرة هي التي قالت كلمتها الاخيرة واضطر الرجل الى دفع دية لص اراد سرقة بيته.اما عامل البناء فقد سقط من سكلة العمل في احدى المنازل التي كان هو وزملاؤه يقومون ببنائه، وما كان من صاحب المنزل الا ان يقوم بنقله الى اقرب مستشفى لتلقي العلاج لكن الأطباء قرروا بتر ساقه التي تضررت كثيرا جراء سقوطه ولم يدر بخلد صاحب المنزل ان عشيرة العامل ستطالبه بدفع فصل بمبلغ كبير جراء سقوط العامل وعبثا حاول إقناعهم انه لا يتحمل مسوؤلية سقوطه لكنه دفع المال مرغما. وفي مستشفى الكاظمية اضطر احد الاطباء الى دفع اكثر من ثلاثين مليون دينار حين أصيبت المريضة التي اجرى لها عملية جراحية بالشلل التام بعد ان اضطره ذووها الى خيارين احداهما مر، فاما ان يدفع المبلغ وما ان يتزوج تلك المرأة المشلولة فدفع المال .اما اغرب فصل فقد دفعه احد السواق لرجل ميت، حيث كان ينقل جنازة احد المتوفين وأقاربه، وعند سيرة بسرعة كبيرة لتجنب الزحامات، سقطت الجنازة من السيارة وتم رفعها، وعند تغسيل الميت اخبرهم الشخص الذي يقوم بتلك المهمة ان ذراع الميت مكسورة، وما ان انقضت مراسيم العزاء حتى توجه اهل الميت الى بيت السائق ليطالبوه بدفع فصل للميت الذي كسرت ذراعه! وحين يمتنع الشخص عن دفع الفصل-لعدم امتلاكه المال، او لعدم قناعته به- فللعشيرة اساليبها في اجباره على الدفع، فيقوم بعض ابنائها مثلا بكتابة جمل على بيوت الممتنعين تقول ان البيت مطلوب عشائريا، او يطلقون النار على البيت حتى لو كان خاليا من اصحابه. ولا يقتصر الامر على المنازل فقط بل قام البعض الآخر بكتابة جمل مشابهة على جدران محال تجارية ومطابع وتسببوا في قطع أرزاق أصحابها ممن لم يكن لهم يد فيما حدث وقد يكونوا مجرد اقارب لمرتكب الحادث.وقد بلغ هذا العرف العشائري مراحل خطيرة بتدخله في مفاصل الدولة والسياق الوظيفي فيها ، وحتى في اعلى هرم السلطة، فقد ظهر وكيل إحدى الوزارات في برنامج تلفزيوني للحديث عن ملفات فساد في وزارته، وما كان من الوزير الا ان يجبره على دفع فصل عشائري بمبلغ كبير اقتصاصا منه على فعلته تلك، اما احد المسؤولين في لجنة النزاهة الحالية فقد تحولت قضية الفساد التي اثارها ضد موظف كبير في احدى الدوائر الخدمية الى قضية عشائرية تدخلت فيها عشيرة النائب وعشيرة الموظف، وقد انتهت الكثير من ملفات الفساد بدفع فصل عشائري، الامر الذي يشكل عائقا اخر امام محاربة الفساد.الدولة المدنية التي نريد بناءها في العراق تتعارض بشكل تام مع العرف العشائري الذي من المفترض بنا ان نكون قد تخلينا عنه منذ زمن طويل، وعلى الدولة ان تتخذ اجراءات حاسمة للحد من هذه الظاهرة التي اخذت طابعا يتناقض مع الهدف الذي انشئت من اجله وهو الحد
العرف والقانون .. من يقول كلمته الأخيرة؟
نشر في: 30 يونيو, 2012: 08:23 م