علي حسينيوم الأربعاء الماضي خرج علينا رئيس التحالف الوطني الدكتور إبراهيم الجعفري بتصريحات اقرب إلى العبث منها إلى السياسية.. فالرجل اكتشف أن المشكلة التي تمر بها البلاد تتعلق بالغشاوة التي أصابت عيون العراقيين فمنعتهم من أن يروا بوضوح حجم الانجازات التي حققتها الحكومة..
ولهذا قرر الجعفري ووراءه التحالف الوطني دعم حكومة المالكي تيمنا بالقول المأثور "أنا وابن عمي على الغريب".. والغريب هنا هو الشعب الذي نسي أفضال السادة السياسيين الأجلاء عليه، وكيف أنقذوه من مصير اسود حين كان غارقا في مستنقعات التخلف والأمية. طبعا من حق الجعفري أن يقول ويؤمن بما يشاء من أفكار، ومن حقه الاعتقاد بان الحكومة حققت انجازات عظيمة بل وكرامات كما اخبرنا ذات يوم.. لكن ليس من حقه ولا من حق التحالف الوطني فرض حكومة "الأمر الواقع" على الناس.. وليس من حقهم الاعتقاد بان هذه البلاد لم تنجب بشرا غير 325 نائباً ومعهم المالكي ومقربيه.عندما فشل سياسيونا في صياغة مشروع سياسي لدولة مؤسسات في العراق، لم يجدوا طريقاً سوى خوض المعركة السهلة وهي معركة الحشمة والأخلاق اعتقادا منهم أن العراقيين جميعا كفار.. لا يريدون دولة تحكم بشرع الله.لا ادري لماذا لم يناقش التحالف الوطني ما قدمه ككيان سياسي منذ عام 2003 وحتى الآن.. فالناس تدرك جيدا أن ما فعله جميع الساسة حتى هذه اللحظة هو التفكير في البقاء على الكراسي أطول فترة ممكنة تطبيقا لنظرية السيد المالكي الشهيرة "ابد ما ننطيها".تصريح الجعفري للأسف يلخص العقلية التي يحملها معظم الساسة وهي عقلية لا تؤمن بمؤسسات الدولة، وترضى بتفسير واحد للديمقراطية قاله من قبل ميكافيللي: "الديمقراطية هي حرية الشعب في اختيار قادته.. وهي أيضا تعني ألا يتدخل الشعب في قرارات القائد مطلقا مهما كان نوعها او الهدف منها"، وهذا بالضبط ما يريد أن يخبرنا به السيد الجعفري بما أن الشعب كان بكامل وعيه حين اختار نوابه وحكومته، فان دوره انتهى وعليه أن ينتظر "كرامات" الحكومة. طبعا الناس التي انتظرت من السادة السياسيين بعد نجاحهم في الانتخابات أن يفعلوا شيئا في سبيل بناء دولة حديثة فوجئت بان الساسة الأفاضل لم يفعلوا شيئا وإنهم متفقون جميعا على شيء واحد فقط هو اقتسام الغنائم وتحويل العراق إلى دويلات صغيرة ينشرون فيها ثقافة الاستبداد والتخلف. واسأل السيد الجعفري.. لماذا لم يخرج التحالف الوطني ببيان واضح يحدد أسباب الأزمة السياسية؟... لماذا لا يكاشف الناس بحقيقة الأمور التي تقول إن الجميع ليس لديهم مشروع جدي لإدارة البلاد.. لا كوادر سياسية وإنما مجرد هياكل بشرية تملأ الفراغ، وتشغل الناس بمعارك جانبية.. وتسعى لإقرار قوانين وتعليمات تصب في مصلحة السياسيين وأقاربهم وعشيرتهم وأحبابهم، وان تسلياتهم البرلمانية دائما ما تتحول إلى مناكفات ومشاحنات وصراع ينعكس على الناس بمفخخات وكواتم صوت وتهجير. ولكن يبدو أن السادة في التحالف الوطني لا يرون من الشعب إلا من أسعدهم زمانهم وانضموا إلى جوقة السياسيين، وأتصور لو أن الناس تعاملت مع خطب السياسيين على أنها حقيقة، فلن تفكر طويلا قبل أن تدرك أنها تعيش فعلا عصر الانجازات العظيمة.. فلربما سيخبرنا الجعفري ومن معه ان مجرد استيقاظ المسؤولين من نومهم وذهابهم إلى مكاتبهم هو بحد ذاته إنجاز كبير يضاف إلى سلسلة فضائل وأفضال الحكومة على الشعب، إذ تتعدد الإنجازات وتتنوع من القضاء على البطالة السيطرة على الأمن، مرورا بالإنجازات العملاقة في التعليم والصحة والإسكان والثقافة.هذه الكلمات ليست هجوما على التحالف الوطني، لكن بما أنهم يلعبون في ساحة السياسة ويفتون في كل شيء، فحق علينا كشعب أن نعرف لماذا يصرون على حكومة المالكي.. نريد على الأقل أن نخمن كيف يفكروا.. نريد منهم ان يعلموا إنهم بشر نختلف معهم ونحاسبهم إذا اخطأوا.. ونريدهم أن يؤمنوا جميعا أن السيد المالكي موظف حكومي وليس ملاكاً مهمته نشر الفضيلة في بلد مارق.
العمود الثامن: إذا تحدّث الجعفري فـ"صدقوه"
نشر في: 30 يونيو, 2012: 09:45 م