سلام خياطالبناية القريبة من سكني – في بلاد المهجر—مخصصة لكبار السن، لن أتحدث عن النعيم الذي فيه يرفلون،لن أعرج على راتب الرعاية الاجتماعية الذي يوضع في حسابهم المصرفي كل أسبوع دون تأخير، لن أتحدث عن مخصصات الطوارئ عندما تنخفض درجات الحرارة لما دون المعدل،لن أتحدث عن توفير السكن المدعوم من الدولة،
لن أتحدث عن بطاقة المواصلات المجانية التي هي حق مقدس للمسن بعد بلوغه الستين، لن أتحدث..لن. وأجدني أبتلع غصة الوجع مع كل مقارنة أعقدها فيما يجري للمسنين في بلد الذهب الأسود والعشرة ملايين نخلة! لكن (الكفخة) التي تلقيتها هذا اليوم، جعلت السيل يبلغ الزبى – كما يقولون – ولم يعد بالإمكان ابتلاع غصة جديدة. اعتدت أن أهاتف صديقتي الإنجليزية – المثقفة الحلوة المعشر – للسؤال عنها بين حين وحين.. هاتفها هذا الصباح مقطوع.. عجايب!! في لندن والهاتف مقطوع؟ جهاز الموبايل مغلق. لابد وأن مكروها حاق بالسيدة. قصدت البناية.. جرس باب شقتها المرقوم على اللوحة لا يقرع.. أطرق باب البناية الرئيسي بكف يدي. تهرع مسؤولة البناية، تفتح الباب وهي تعتذر: التيار الكهربائي مقطوع عن البناية وما جاورها من بنايات. عطب – غير مقصود –خلخل عمل (كيبلات الكهرباء والهواتف)وعمال الحفر يحفرون لإرساء خطوط توصيلات جديدة. الممر شبه مظلم، والمصعد عاطل. وصديقتي تسكن الطابق الثالث، و قدمي المتورم، وعمودي الفقري المتيبس تجعل من صعود السلالم مشقة توازي تسلق جبل في الهمالايا. جازفت بالصعود الحذر ,, توجسا من سقوط لا قيامة بعده. ها هو الطابق الثالث،الباب موارب غير مغلق، طرقة خفيفة، أعبر الممر، أجد المرأة على كرسيها المفضل. تدمدم متبرمة: تصوري.. لم أتناول شاي الصباح لحد الآن.. هل هذا عدل؟ حرمت من متابعة برنامجي المفضل على التليفزيون.. هل هذا عدل؟ لم أتمتع بماء حمامي الدافئ.. هل هذا عدل؟ الهدوء الذي عهدته بالمرأة تحول لغضب وهياج، فهي تلعن الخدمات التي تدنت في السنوات الأخيرة، وتشتم القائمين عليها ولا أباليتهم، ,و,,,و,,,,دقائق معدودات، ويطرق الباب، وعاملة مبتسمة تحمل صينية عليها دورق يفوح من عنقه عبق شاي طازج، إلى جانبه طبق عليه بعض الفطائر والشطائر.. :وفرنا الوجبة الصباحية لجميع النزلاء من المطعم القريب، وهناك وجبة عشاء ساخنة لو استمر انقطاع الكهرباء هذه الليلة. دقائق معدودات، وشاب يطرق الباب ويسلم المرأة مصباحا يدويا (تورج). استعملي هذا المصباح لو استمر القطع الكهربائي. المرأة تتمتم بحنق، هذي المرة الثانية التي تنقطع فيها الكهرباء خلال شهر! لا.. لا بد من توضيب شكوى يرفعها السكان لنائب المنطقة , وللمجلس البلدي ,, هذا ليس بعدل،، ليس بعدل على الإطلاق.أغص , أغص , أغص, أقارن هذا الترف بالحيف الذي حاق بأبناء بلدي، فلا الشاي حار شتاء، ولا الماء البارد صيفا، وما من بصيص ضوء في العتمة، ما من أحد يسمع استغاثات العامة، ما من احد يرى ما حاق بهم من مكر وظلم و قتر، ما من أحد يقول كفى,, يعني كفى!!!.
السطور الأخيرة: كل ذاك الحيف
نشر في: 1 يوليو, 2012: 07:09 م