علي حسين عبيدتثير مفردة (المبدئي) حساسية من نوع خاص، لدى من يقرأها أو يسمعها، ففي ظل عالم أخذ ينحو باضطراد وتسارع صوب المصلحية والبراغماتية السياسية أو سواها، بات الحديث عن المبدأ والإنسان المبدئي، ضرباً من المثالية التي تثير التندّر والاستخفاف في كثير من الأحيان، والأنكى من ذلك، هذا الخلط العجيب والمعيب في استخدام (المبدئية)
كشعار يمهّد لاستغفال بسطاء الناس، حيث صار شعار المبدئية مطيّة متاحة للجميع، (للمبدئيين، والانتهازيين، والمرائين، وراكبي موجات التغيير الدراماتيكي، وغيرهم)، فهل انتهى العمل بمفهوم المبادئ والمبدئية فعلا، أم هناك حاجة قصوى للتمسك بها والعمل في ضوئها؟ لاسيما حين يتعلق الأمر بالثقافة والمثقفين؟ وهل هناك مثقف مبدئي، وأخيراً هل يحتاج إليه المجتمع والثقافة فعلا؟.قد تبدو الإجابة عن هذه التساؤلات نمطية ومعروفة مسبقا، وربما تنحو إلى الإنشائية النمطية أيضا، ولكن لا أحد يختلف مع القائل بأن الثقافة، كلما صحَّت وعظمت، صحَّـت الأمة وتعاظم شأنها، ولا تصحّ الثقافة وتتعاظم من دون مثقف (مبدئي)، يؤمن قطعيا في قرارة نفسه، بدوره الاستثنائي في بناء وترصين منظومة قيم إنسانية عظيمة، يعتمدها المثقفون أولا، وتقف على رأسها، قيمة التسامح، ثم سلسلة من القيم العظيمة المترابطة مع بعضها ،ومن أهمها (الإيثار، المحبة، الصدق، التعاون، التعايش، قبول الرأي الآخر واحترامه) ،على أن تتحول هذه القيم من معانيها المجردة، إلى منظومة فعلية تنظّم الحياة وأنشطتها كافة، وبهذا سنتفق قطعا، أن حياتنا عموما لاتزال بحاجة قصوى إلى المبدئية، كمسار عمل لا مناص من السير فيه، على أن يكون المثقف في الصدارة من حيث الإعلان والتطبيق المبدئي، كونه النموذج الأول، استناداً إلى كون الثقافة هي النموذج الذي يتقدم ميادين الحياة برمتها، وإذا تلكّأت الثقافة، أصيبت الحياة كلها بالشلل والانحراف والتمزق، كما يحدث لدى الأمم والشعوب التي لا تعير للثقافة المبدئية اهتماماً، بسبب انشغالها بالصراعات الذاتية الضيقة، سواء بين الأفراد أو الجماعات، في مجالات الثقافة نفسها، أو السياسة أو سواها.لذا نحن نحتاج إلى المثقف المبدئي، لترميم الثقافة ومراقبة انحرافاتها، وصولاً إلى بناء حياة شاملة منسَّقة، يضبطها إيقاع الثقافة المبدئية، التي ينتجها المثقفون المبدئيون، وهو أمر ليس بالعسير، خاصة أننا نجد في تجارب الأمم والشعوب التي سبقتنا في بناء ثقافتها المبدئية بحرص، لتصل إلى بناء أمة ومجتمع طابعه العام، المبدئية التي تحفظ إيقاع الحياة، وتمنعه من الانحدار إلى الفوضى والعشوائية والتداخل والاشتباك بين الخطأ والصحيح، كما يحدث في ثقافتنا العراقية الراهنة على سبيل المثال، حيث المثقف لدينا - كما هو ملاحظ - يتحرك باتجاه فردي أو (شللي) قائم على (عدوانية لفظية صارخة، أو حتى مادية جسدية أحيانا) تنال من الآخر، وهو نهج ينطوي على أنانية مبيتة، ومرض نفسي مكتوم، يؤدي بالنتيجة إلى إفراز وإظهار صورة مشوّهة للمثقف (والثقافة) أمام المكونات الأخرى للمجتمع، وبالتالي حدوث الفشل الذريع في تقديم النموذج السليم للآخر ممن ينتمون للطبقات الأخرى، حيث تكمن أهمية المثقف والثقافة في تقديم الصورة السليمة والمشرقة لمنظومة الفكر والسلوك الأصحّ والأجمل، كي تأخذ بها الطبقات المجتمعية الأقل وعيا، والأكثر ضعفا إزاء غرائزها ومنافعها المادية، بسبب افتقارها إلى ثقافة إنسانية مبدئية تحصنها ضد النوازع والميول ذات الطابع التملّكي.وبهذا تحتاج ثقافتنا إلى المثقف المبدئي، صاحب الشخصية التي تشكّلت (فكرا وسلوكا) من مجموعة قيم الخير، لكي يُسهم هؤلاء المثقفون المبدئيون، في تكوين الثقافة الإنسانية التي نحلم بها، كمجتمع لايزال يعاني الاحتراب النفسي والجسدي، بسبب فشل المثقفين والثقافة بتقديم النموذج الصحيح حتى هذه اللحظة.
المثقّف المبدئي
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:28 م