TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس:قبل أن ينقشع الظلام!

قرطاس:قبل أن ينقشع الظلام!

نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:53 م

 أحمد عبد الحسين تأكدتُ أمس وأنا أقرأ افتتاحية رئيس تحرير إحدى الصحف أن مشكلة العراق ليست بسبب شخص أو حزبٍ، وأنّ صدام لم يكنْ رجلاً، كان ثقافة خراب ووعياً منكوساً تخلل الجسد العراقيّ حتى وصل إلى العظم. وأن هذا الوعي وتلك الثقافة فعلتا الأعاجيب في معظم العراقيين حتى من لم يكن داخل العراق منهم إبان حكم صدام.
للسلطة سطوة، وللقوة هيبة تدير إليها رؤوس حتى أولئك الذين يظنون أنفسهم أن ثقافتهم ووعيهم تحجزهم عن ارتكاب موبقة مساندة الحاكم، فكيف إذا كان هذا الحاكم سخياً مع من هو مستعد للردح ذباً عنه حقاً وباطلاً ظالماً أو مظلوماً.كلمة رئيس التحرير هذه فسّرتْ لي أموراً كثيرة كنت أجهلها، كنت أندهش كيف أن صدام قاد جيشاً من المثقفين معه إلى هاوية الرذيلة، وحين سقط في حفرته تفرّق هذا الجيش العرمرم وكلّ منهم يخفي ذيله بين قدميه ويتحدث عن "معارضة" مزعومة، وعن اضطهاد وعن مناهضته صدام ورهطه، ويزايدون بإلحاح من شأنه أن يشكك معارضي صدام الحقيقيين بأنفسهم.بلاغة التملّق لا تخطئها العين الباصرة، أعادتنا إلى أيام صحف "الثورة" و"الجمهورية" و"القادسية"، تُقرأ من عنوانها الذي يسمّي عصر السيّد المالكي بعصر الأنوار، ويخوّفنا من أزمنة الظلام التي ستعقب طبعاً إقالة حامي حمى العراق.مؤسٍ ما يفعله البعض بأنفسهم لقاء المال، يدمّرون أحلامنا بعراق لا صنم فيه. كيف تعلم هؤلاء صناعة الأصنام وتزيينها، وبعضهم لم يكنْ هنا أيام كانت صناعة الأصنام مهنة مثقفين تدرّ عليهم ضمائرهم المزوّرة دنانير صدامية مزوّرة أيضاً؟ليس خطأ المالكيّ أنْ وجد له سنداً في هتّّاف وبزّاخ قديم هوّس لصدام يوماً "إصبع من جفك يسوا أمريكا وما بيها" وها هو يهوّس من جديد لرئيس الوزراء الذي لا بدّ أنه في قرارة نفسه يحتقر نموذجاً كهذا ويزدريه لكنه أنفع له من مثقف انتقادي يحترم نفسه ووعيه، فعلى مرّ الأزمان كان الحاكم ـ الذي يريد أن يبقى حاكماً بأي ثمن ـ يطمئنّ لذوي الثقة لا لذوي الخبرة ويقرّب أولئك لا هؤلاء.وأمس أيضاً نقلتْ إحدى الوكالات خبراً عن حملة تواقيع بالدم لمساندة المالكيّ ضد حجب الثقة عنه، فتيقنتُ أن المتسلّط يجد له تلقائياً مبخرين ومطيبن لشخصه الكريم بمجرد أن يمتلك المال والقوة، وأن نحاتين كثراً يتسابقون لنحت صنمٍ له، وأن هؤلاء المتملقين هم أنفسهم الذين سينفضّون عنه ويكفرون به لحظة سقوطه باحثين عن طاغية آخر يسجدون له ليملأ أفواههم دولارات.القبول بالطغيان والتصفيق له يريح ويُغني، لكنّ الرفض يزيد الوجه والروح بهاء. هكذا كنا نردد أيام معارضتنا الطويلة لصدام، وهي جملة صادقة اليوم أيضاً وغداً وإلى الأبد، مع كلّ مشهد فيه شعبٌ محروم وحاكم يريد أن يتأبّد ومثقفون متملقون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram