محمد علوان جبر برحيل مخرج الروائع [ انجيلوبولوس ] فقدت الانسانية فنانا ترك بصمته الواضحة في مسارات السينما العالمية .. كانت وفاته فاجعة حقيقية لي وإلى كل المعنيين بهذا الفن الساحر ، لم اصدق الخبر وأنا اقرأ انه توفي بعد إصابته بجراح خطرة في الرأس ... صدمته دراجة نارية في موقع للتصوير ( كواليس فيلمه الاخير ـ البحر الاخر ـ )
في ميناء بيرايوس اليوناني . مرة سئل المخرج الايطالي الكبير برتولوتشي عن فيلمه التاريخي 1900، ما إذا كان يحاول تناول التاريخ الايطالي في فيلم واحد كما فعل انجيلوبولوس في فيلمه ـ الممثلون الجوالون ـ أجاب برتولوتشي...[ نعم .. لكني ـ كمخرج ـ لست موهوبا مثله ..] . في مشواره الفني الذي امتد أكثر من اربعين عاما، حقق الكثير من الجوائز المهمة عبر افلام مختارة ومثيرة للجدل ... بدءا من فيلم "الممثلون الجوالون" / جائزة النقاد العالميين في مهرجان كان وفيلم "الصيادون" / جائزة افضل فيلم في مهرجان شيكاغو وفيلم "الاسكندر العظيم" / جائزة افضل فيلم في مرجان فينيسيا وفيلم "قرية واحدة" وفيلم "رحلة الى كيثرا" / جائزة افضل سيناريو في مهرجان كان وفيلم "منظر في السديم" / الجائزة الكبرى في مهرجان فينيسيا وفيلم "منظر في السديم"/ الجائزة الكبرى في مهرجان فينيسيا وفيلم "خطوة اللقلق" وفيلم "تحديقة يوليسيس" / جائزة لجنة التحكيم وجائزة النقاد العالميين في مهرجان كان وفيلم "الابد ويوم واحد" / الجائزة الكبرى في مهرجان كان وفيلم "ثلاثية المرج الباكي" / جائزة النقاد في مرجان الفيلم الاوربي .... وسنتناول هذه الافلام تباعا وسأبدأ في فيلم ( تحديقة يوليسيس ) Ulysses Gaze انتاج عام 1995 الذي ادى فيه الممثل الامريكي ( هارفي كايتل ) دور البطولة ...في هذا الفيلم يعبر انجيلوبولوس الحدود المفترضة في الجغرافيا ، يعبر الحدود بشكلها الواقعي في رحلة تبدأ من اليونان وينتقل الى بلدان البلقان، رحلة واقعية ترتبط برحلة البطل الذاتية، ويستعرض الثقافة البلقانية التي توشك على الموت ، يدخلها بعمق باحثا عن إشارات الأمل ، ويضمن مدخل الفيلم باستعارة فلسفية ترتبط برحلة هوميروس ...وهو يدخلنا منذ البدء في رحلة تبدأ من الذات وتنتهي بالذات ( وهكذا فان النفس ايضا ، إن ترغب في معرفة نفسها ، فسوف يتعين عليها ان تنظر الى النفس ) من هذا التضمين الذي يحيل الرحلة الاوديسية نحو الذات ، بوصفها رحلة في اتجاه الاعماق القصية من الروح ، وكذلك هو ايحاء بالكثير من مفردات التوتر .. كالشك والتفكير المحلق في ميتافيزيقيا الكون ، يستدعي الامر ان نسمع شفرات المخرج التي اراد الاشارة اليها ، وهي أي المدى يمكن أن تساعدنا هذه المفردات، ونحن نتوغل مع البطل (العملاق هارفي كايتل ) في مناطق متخمة بالحرب والكراهية والتدمير والموت والذكريات؟ ربما هي اشارات الى سيرة ذاتية للمخرج انجيلوبولوس ، فالبطل مخرج سينمائي ، وفي لقطات معينة نرى هناك "فلاش باك" لأفلام سابقة لانجيلوبولس . في بداية الفيلم نرى شريطا من فيلم صامت قديم عن امرأة قروية تحوك ، فيما نسمع خارج الكادر صوت البطل يقول " حائكات في افديلا ، قرية يونانية 1905 ، أول فيلم حققه الاخوان مانيكا ، اول فيلم صنع في اليونان ودول البلقان ، لكن هل هذه حقيقة ؟ هل هو الفيلم الأول ؟ التحديقة الاولى" وربما كان يعني المخرج بالتحديقة، النظرة التي يوجهها المرء الى الآخر ، إنما ايضا تعرف فلسفيا ان تحدق في نفس او روح الاخر ، والسينما ذاتها عملية تحديق ، بالتالي فانها يمكن ان تتحول الى وسيلة للمعرفة . وفي هذا الفيلم يخترق مخرج الروائع انجيلوبولوس الخط الفاصل بين السرد الحقيقي والمتخيل او السينمائي ، يزول تماما هذا الخط بينهما فيصبح الواقع والسينما معا بالنسبة لمخرج ـ البطل ـ باحث عن التحديقة . لا تجد فاصلا بينهما الواقع هو السينما..... السينما هي الواقع . وعكس ما تفعله هوليوود في اختراع المعجزات في محاولة للاقناع وتحول ربما سهول رملية الى تلال مغطاة بالثلوج ، يرفض انجيلوبولوس هذا التحايل وينظر الى الموقع بوصفه شخصية رئيسية في الفيلم ، ولهذا كان يرغب في تصوير مشاهد سراييفو في المدينة نفسها، رغم ان الحرب كانت دائرة فيها ، وقد سعى لمدة عامين لكي يحصل على ترخيص بالتصوير هناك ولكن دون جدوى وذلك خوفا على حياته ، وعندما سئل
سينما العودة إلى الذات
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:58 م