د. فاضل سوداني ضمن التلامس الحضاري وبتأثير ديناميكية الوعي الأسطوري والملحمي للحضارات العراقية القديمة توجه المؤلف المسرحي المتجدد عادل كاظم الى الأساطير والملاحم التي تخلق التفاعل المعاصر من اجل منح المسرح ذلك القلق الذي لا يؤثر في وعي المشاهد فحسب بل يخلق في داخله تلك الدهشة الضرورية لتحقيق ديناميكية الحياة من خلال السؤال الذي يقلق المشاهد.
فان عادل كاظم ومن اجل أن يحقق مشاكسته الفكرية إزاء ظواهر وجودنا المعاصر، اعني حرية الإنسان (كذات) وعلاقته بالنظام التسلطي والاستغلالي متمثلا بجبرية الدكتاتور المنفذ للاستغلال الطبقي أو من اجل أن يخلق معادلة صيرورة (الذات) القلقة المتفانية في صراعها مع (الآخر) كتب مسرحيته الأولى الطوفان، مستغلا الجو والخصائص الدرامية لملحمة جلجامش القديمة (وتعتبر المسرحية تفسيرا معاصرا للملحمة والتي أخرجها إبراهيم جلال بعدة رؤى إخراجية مختلفة وبوعي ملحمي بريشتي).إن لغته الدرامية في عموم مسرحياته تتجوهر وتتكثف بتعبيريتها ذات الطابع الفكري، إضافة إلى توهجها الشعري، فمن خلالها يعبر عن شيزوفرينية وتوهان الذات العراقية القلقة دائما والمستفزة بمشاكلها المعقدة التي هي جزء من مشاكل الإنسان المعاصر.فالإنسان بالنسبة للمؤلف مختنق بمشاكل حياتية واقعية وميتافيزيقية في الآن ذاته، تشغله دائما حد القلق الوجودي، من دون أن يجد مبرراً أو تفسيراً. لهذا فانه يتخبط وسط شبكة الواقع المادي المعقد بمجانيته أو الميتافيزيقي الغامض. إن مشكلة الحرية هي مشكلة دائمة في طروحات المؤلف، وتعتبر إحدى موضوعاته الأساسية فتشكل هوسه الإبداعي. يطرح المؤلف بطل مسرحياته وهو في حالة تصادم بينه ومحيطه، بين الذات كوجود في صيرورة الفعل وبين الوجود الآخر(الواقع أو الذات الأخرى) وقد يؤدي هذا إلى السكونية والسلبية.إن مثل هؤلاء الأبطال وعلى نطاق محاولة الخروج من أنانيتهم الفردية وسلبيتهم الوجودية يلجأون الى قوة خارجية ليست ذاتية في تحقيق فعلهم الوجودي، ولهذا السبب فإنهم دائما عاجزون عن فعل التحقق الذاتي.إن عجزهم في تحقيق ذواتهم بعيداً عن الآخر يدفعهم إلى الانتماء للمجتمع من جديد، وان تراءى لنا بطله متشبثا في كل شيء ، لكنه يصرخ بفحيح مأساوي بعد أن يعي حجم خرابه الذاتي، كما فعل البطل في المسرحية السابقة:(هاأنذا أحمل حملا ثقيلا/ متوجه نحو القمة/ ويجب ألا أسقط)وهنا يبدأ تأثير الفكر الوجودي وتأثير برشت فكريا وملحميا وتغريبيا أيضا وكذلك تأثير الفكر الماركسي، حيث أن البطل يتخلى عن ذاتيته لينتمي إلى الآخر. وهذه هي الميزة التي اكتشفها إبراهيم جلال ـ المنتمي إلى برشت في معالجة المشاكل الاجتماعية على المسرح ـ عند أبطال عادل كاظم وحاول دائما تطويرها من اجل أن يخلق العرض الشعبي المبني على إفهومة برشت في المتعة والتعليم.والجانب الآخر من ذات وروح وموقف بطل عادل كاظم الخارج من قدسية الأساطير والملاحم البابلية، نراه واضحاً في أن البطل يلامس ذاتيته لكنه لا يستطيع تحقيقها إلا بالتخلي عن هذه الذاتية، عندها يصبح هشا وقناعا غير معبر، لأنه يجتاز منطقة الخطر وامتحان الذات اضطراراً، فينحدر إلى هوة الهامشية والتماهي، ليتحول إلى بطل بائس، متكيف مع خراب روحه فيصبح جزءاً من التاريخ الاستثنائي قياسا لدوره في تغير ذاته وواقعه. وعادل كاظم عندما يقوم باستغلال التراث البابلي، يحاول انتقاء تلك المقولات والأفكار التي لها علاقة بمشاكل عصرنا الراهنة ويبني عليها مفاهيمه المسرحية.إن مثل هذا الوعي الفكري والفني لدى مبدع غني مثل عادل كاظم يحتم عليه أن يستمر في قول الحقيقة التي تفرض عدم الصمت.
وهج الذاكرة :عادل كاظم والتباس الوجود المسرحي
نشر في: 2 يوليو, 2012: 07:33 م