حازم مبيضين أستعير عنوان هذه المقالة, من كتاب أصدره تشارلز جونستون, سفير بريطانيا في الأردن, في نهاية ستينات القرن الماضي, وجمع فيه تجاربه ورؤيته للواقع, خلال خدمته كسفير في عمان، وتحدث كخبير في السياسة, ومطلع على تفاصيل الأحداث, ونشر كتابه هذا في لندن في أوائل السبعينات, وكتب مقدمته رئيس وزراء بريطانيا آنذاك هارولد ماكميلان, ومؤكد أنني لست بصدد تقديم مراجعة للكتاب, بقدر ما أحاول الربط بين أحداث تلك الفترة, التي كادت المملكة الهاشمية تنزلق إبانها إلى الهاوية, وبين ما نعيشه راهناً,
ويتم خلاله إنتاج أحداث تلك الفترة, وإن بلغة مختلفة, وسأترك تفاصيل ما ورد في الكتاب, لاهتمام المعنيين بالرجوع إليه, لكنني سأحاول تسليط شيء من الضوء على ما يجري اليوم.خلال عام واحد تشكلت أربع حكومات, لمواجهة الحراك الشعبي, الذي تفجر في شوارع عمان, على وقع هتافات الربيع العربي, وفشلت جميعاً في الاستجابة لمطالب الناس, والمؤسف أن بعضها عمل على زيادة الاحتقان, ما أدى لرفع سقف المطالب, التي تبدو منطقية وشرعية, إذا جردناها من إسقاطات السياسيين, الراغبين بتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية, وتصادف أن السلطة التشريعية " المنتخبة والمعينة ", قدمت خلال عامين من عمرها, أداءً باهتا وسقيماً, لا يتناسب مع وظيفتها أو متطلبات المرحلة, وفي الأثناء, فإن الحالة الاقتصادية التي يمر بها الأردن لا تسر صديقاَ ولا عدواً, فالبطالة إلى تفاقم, والغلاء غول يفترس دخول المواطنين, والحكومة أقرب إلى الإفلاس, والفاسدون ينعمون بما نهبوا من أموال الشعب والثروة الوطنية.أسفر ذلك بالطبع عن حالة انفلات غير مسبوق, ففي كل حارة تشكلت لجان أعطت لنفسها حق التكلم باسم الشعب, وأنشأت بعض العشائر حراكاً باسمها, وتفلتت أحزاب استقوت بحالة ضعف الحكومات, وترددها وعدم استيعابها للواقع الراهن محلياً وإقليمياً, فطرحت مطالب تجاوزت كل السقوف, وتابع كل ذلك إعلام مرتبك, زاد في حالته البائسة تغييرات متلاحقة على قياداته, لم تترك لواحدة منها فرصة وضع الخطط , اللازمة لمتابعة الحالة بمهنية وانتماء, وانفلت حبل الأمن, رغم الجهد المبذول للتعامل بحضارية مع الأحداث الراهنة, وانزوى كثير من المخلصين, لفقدانهم الدور والمبادرة, ووجد الأردن فعلياً نفسه على الحافة.نتحدث عن أدوار مفقودة, إما بفعل الخوف أو التردد, أو الإنصات لجهات كان عليها الالتزام بوظيفتها, بدل العبور إلى ساحات السياسة بعقلية أمنية, ونتحدث عن محاولات للتستر على بعض الفاسدين, ونتحدث عن مناورات يفتعلها البعض, وعن تحالفات مبنية على واقع افتراضي, وعن مشاعر إقليمية, لم تعد تخجل من الإفصاح عن نفسها, ونتحدث عن الذين يتحدثون في الأردن, بألسنة غير أردنية, وعن الذين يتعامون عن الحقائق, وعن قوى تفكر فقط بمصالحها الضيقة, وعن استقواء بالخارج, وعن بشر يفتشون عن لقمة العيش في حاويات القمامة, وعن بشر ينفقون ألف دينار في ليلة واحدة على سهرة للمتعة, بغض النظر إن كانت حلالاً أو حراماً, ونتحدث عن مؤسسات كانت حكومية وتمت خصخصتها, تتفنن في تعذيب الناس واستنزاف جيوبهم, ونتحدث عن احتقان يغلي في صدور الناس, نتحدث عن بلد على الحافة, ونصلي أن لا ينزلق إلى الهاوية.
في الحدث :الأردن على الحافة
نشر في: 2 يوليو, 2012: 08:03 م