سرمد الطائييبدو أننا نستعد لفصل حكومي جديد سيزخر بالأرقام الكبيرة، لكننا سنحتاج إلى ألف خبير كي يترجم لنا ما تعنيه هذه الأرقام. اليوم لدي رقمان ناقشتهما على فيسبوك مع الأصدقاء، الأول هو سبعة أو ثمانية أو تسعة آلاف ميغاواط، والثاني هو سبعة ملايين أو 21 مليون نخلة.
أما مصدر هذه الأرقام فمكتب السيد رئيس الحكومة وموقعه الالكتروني الرسمي. يقول البيان الصادر عنه إن "اللجنة العليا لإنقاذ المحافظات" ولا أتذكر اسمها جيدا، اجتمعت وأكدت أن العراق كان يمتلك 7 ملايين نخلة فقط أما اليوم فلدينا 21 مليون نخلة. والبيان يخلو من التوضيحات التي يضعها المحترفون عادة في مثل هذه الإعلانات، فلم يقل كيف شاءت قدرة القادر أن نقفز من 7 ملايين نخلة الى 21. هل هذا نتيجة عمل سنة واحدة او سنتين ام ماذا؟ اين زرعنا كل هذا النخيل، ومن الذي زرعه؟ هل ازداد العدد اولا الى 12 مليونا ثم 15 ثم 21، ام قفز فجأة من 7 الى 21 مليونا؟اكتب هذا وتجول في خاطري آخر 3 نخلات قديمة بقيت في بستاننا، بعد أن فقدت العائلة عبر الحروب نحو 30 ألف نخلة على ضفاف شط العرب. صدام حسين وفي احد أوامره الرعناء طلب تجريف 6 ملايين نخلة في المنطقة الفاصلة بين أبي الخصيب والفاو، بينما تعرضت البساتين حول منطقة التنومة وصولا إلى شمال البصرة إلى استباحة بربرية دمرتها. والكثير من تلك المناطق لا تزال خالية من أيّ زرع يذكر، وهذا حال بساتين كثيرة في الفرات الأوسط جرى تجريفها بعد انتفاضة 91. وأتمنى أن يكون حديث مكتب السيد المالكي صحيحا وان حكومتنا التي فشلت في جمع القمامة من الشوارع، نجحت حقا في زراعة 14 مليون نخلة جديدة خلال ولايتها الحالية والسابقة. لكننا بحاجة الى خبير يترجم لنا كيف حصل ذلك وأين.اما الرقم الآخر فيقول بيان الحكومة ان انتاج الكهرباء بلغ 7 آلاف ميغاواط. وان الانتاج سيبلغ 9 آلاف ميغاواط. اما وزارة الكهرباء على موقعها فتقول إن الإنتاج بلغ 8 آلاف ميغاواط. كم مرة تلفظ المسؤولون العراقيون بكلمة واط هذه؟ أتخيلهم أحيانا في شريط تلفزيوني وهم يصرخون في إسماعنا: واط واط واط واط، مثل سيارات حرسهم التي تقتحم شوارعنا بكل تلك الفجاجة.السؤال هو: ماذا تعني 7 او 8 او 9 آلاف ميغاواط؟ لا ادري لكن أمامي الحقائق التالية. فالكويت التي يعيش فيها 3 ملايين نسمة فقط تستهلك 10 آلاف ميغاواط وهي تتعرض في الصيف إلى بعض الانقطاعات، ولذلك يبدو رغم كل الفوارق المعيشية والتنموية، أن 9 آلاف ميغا تتعهد الحكومة بتوفيرها مطلع الشهر المقبل، أو 11 ألف سنحصل عليها بعد سنة، لن تشكل رقما كبيرا للعراق بملايينه الثلاثين. ولست خبيرا في الطاقة لكنني أتصفح موقع وزارة الكهرباء الذي يذكر أن صيف العام الماضي كان يشهد تجهيزا بنحو 6 آلاف ميغا. وتتذكرون ان الكهرباء كانت تأتينا 4 او 5 او 6 ساعات في اليوم. فلو افترضنا ان الكهرباء قفزت الى 9 ملايين ميغا هذا الصيف، فما الذي سيتغير؟ ساعتان إضافيتان مثلا؟ هل هذا منجز المليارات الخمسين التي انفقناها على الطاقة طيلة ولايتي السيد المالكي؟إن الأرقام التي تدوخنا جميعا تقول إن أقصى ما ستنتجه الحكومة من كهرباء سيكون 11 الف ميغاواط حين تكتمل كل محطات جنرال موتورز وسيمنز. ماذا سيعني هذا الرقم؟ انه مجرد اقل من ضعف إنتاج الصيف الماضي الذي شهد تجهيزا بمعدل 4 او 5 ساعات أو حتى 7. وقد يعني هذا اننا مع 11 الف ميغاواط ربما لن نحصل إلا على 10 ساعات كهرباء فقط. وإذا أضفنا إلى ذلك مشاكل النقل والتوزيع فسنكون امام صورة متشائمة جدا اذ يقال إننا نخسر ثلث إنتاجنا بسبب الشبكة المتهالكة. إن 11 ألف ميغا ستكون نهاية جهد الحكومة، ولن تكون إلا رقما مماثلا لما تنتجه الكويت بملايينها الثلاثة فقط.النخيل الذي تحول من 7 ملايين إلى 21 في بيان الحكومة، والكهرباء التي ستكون 8 او 9 او 11 الف ميغا بعد شهر او سنة، هي ارقام محاطة بغموض شديد، تحتاج إلى ترجمان حقا. إنها محنة "الواط العراقي" الذي لا يمت بأي صلة للعالم الانجليزي جيمس واط.
عالم آخر: نخيل و"واطات" كهرباء
نشر في: 2 يوليو, 2012: 08:30 م