TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: صحافة تقرأ الفنجان

العمود الثامن: صحافة تقرأ الفنجان

نشر في: 2 يوليو, 2012: 08:42 م

 علي حسينيثير قلقي، كما أظن، ويثير قلق الكثيرين غيري من زملاء مهنة المتاعب،  قدرة بعض الذين يمسكون بالقلم ليسطروا مقالاً أو تحقيق صحفي أو قصة خبرية  دون حماس حقيقي، دون انفعال يأمل في "رد فعل" لأنه بعيد تماما عن الفعل وعن التأثير وعن الأهمية.
إنها الكتابة على قالب الثلج وهي ظاهرة خطيرة انتشرت في صحافتنا، يأمل من خلالها هؤلاء الكتاب أن يكونوا في الساحة، وفي أكثر من مكان، مقالات متهاوية، وتحقيقات بالية، وقصص ساذجة، المهم هو التوقيع ثم المكافأة، وليذهب القارئ إلى الجحيم. مطلوب من القارئ أن يقرأ عشرات الصفحات من باب العلم بكل ما يجري حوله ليكتشف في النهاية انه لم يستفد شيئا وليتأكد من ان حكاية "تحصيل حاصل"  مازالت صاحبة البطولة الأولى في عدد من صحفنا، فلا معلومة جديدة، ولا منهج في الكتابة ولا احترام حقيقي لعقلية الناس، وإنما الأمر مجرد كلام في كلام.كتابات باردة، وصفحات أكثر برودة، كتابات ينسى أصحابها المعارك الوحشية اليومية التي يواجهها الناس لتوفير متطلبات الحياة الضرورية، يتناسون أنهم يكتبون لبشر يبحثون عن حلول حقيقية لا عن  "ترف"  بلا معنى ولا متعة، أين ذهب الانفعال الصادق والوعي؟  ماذا حدث للقدرة على التعبير والرصد؟، لماذا هذا الكم الهائل من الكتابات التي لا معنى لها؟،  لماذا يصر الصحفيون أنفسهم لترسيخ اعتقاد ساد عند الناس بان الصحافة عندنا بعيدة عن المصداقية وان ما تنشره مجرد تزويقات لفظية لا أساس لها من الصحة حتى أن العراقيين أطلقوا على الأخبار الكاذبة والمفبركة عبارة "حجي جرايد". في كثير من بلدان العالم المتقدمة لا يجرؤ احد نشر خبر غير دقيق، ولا يسمح  الصحفي لنفسه بان يقدم للناس  ما ليس واثقا منه، وليس ذنب الصحافة عندنا إنها في مجتمع لم ينجح في إلزام  صحفييه بهذا السلوك إلى حد أن كلمة "تصريح صحفي" أصبحت مادة يتندر بها الناس في البيوت والمقاهي والطرقات. أين اختفى عقل الصحافة النظيف..  العقل الذي يجب أن يحدد أجندة الكتاب والأقلام من خلال القضايا التي  يجب أن تطرح للناس من دون هوادة أو خوف، العقل الذي يعلم الصحفي جرأة الكتابة والاشتباك العنيف مع الأفكار الخاطئة والقيم البالية التي ينبغي هدمها وإفساح الطريق أمام عالم جديد.. لا العقل الذي يسعى إلى بث الأكاذيب وإفساح الطريق سالكا أمام الانتهازية والوصولية.. فالناس بحاجة الى صحافة تقرأ الواقع  لا تقرأ الفنجان.. ولأنني لا اجيد السنسكريتية قراءة ولا كتابة فقد رحت مثل زملاء كثيرين ابحث كيف استطاعت صحف توزع ألف نسخة بالمجان أن توهم نفسها قبل أن تحاول خداع القراء بأنها حصلت على المركز الأول في العراق في اكبر استفتاء صحفي إعلامي؟ مثلما خرجت علينا إحدى الصحف المجانية أمس.. وقبلها وصلت الخديعة إلى منظمة صحفية محترمة مثل ايريكس وزعت وبشكل مجاني درجاتها على بعض الصحف مثلما يفعل صاحب مقهى يوهم الزبون بأن المكان مكيف الهواء ولما يدخل يفاجئ بأن هواء المكان ملوث بالاكاذيب. وإذا كان من الممكن التغاضي عن محاولة  بعض الصحف أن تنصب نفسها على قمة هرم الصحافة العراقية  على سبيل الاستعراض أمام القراء، فإن ما لا يمكن فهمه على الإطلاق أن يتحدث البعض باعتبارهم ممثلين للإعلام العراقي المستقل، وهذه مع احترامي لبعض الأصدقاء من زملاء المهنة فان ما جرى للأسف يمثل حالة متقدمة للغاية من  السذاجة المهنية، خاصة إذا كانت بعض المؤسسات التي توزع الأوسمة وتحدد الفائزين بالسباق بهذه الرداءة والركاكة، التي تذكرنا بالاسكيشات الكوميدية التي انتهى عصرها.. ففي حدود علمي أن تحديد أهمية الصحيفة ومكانتها تحدده اولا مصداقيتها ومهنيتها والاهم مكانتها عند القراء وليس عند دكاكين الإعلام التي تمد يديها لكل مستطرق.  ومع تحياتي لزملائي الصحفيين ممن يعشقون هذه المهنة ويحترمونها، حتما سيقرأون اليوم تصريحات المسؤولين تدافع عن حرية الصحافة وتوزع الاراضي والمكرمات على الصحفيين.. وأطمئنهم إنها مجرد "حجي جرايد".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram