هاشم العقابيبغض النظر عما ستؤول اليه نتيجة سحب الثقة، فانها، ومن اليوم الذي علت به الأصوات المطالبة بها، كشفت ما كان يصعب إثباته على بعض من الذين يرون ان هناك بوادر لعودة الدكتاتورية للعراق. كذلك كشفت للمتابع، عن قرب او بعد، ذهنية الكثير من سياسيينا ومدى فهمهم لمعنى الديمقراطية والتفريق بين ما هو دستوري او غير دستوري.
آخر ما تكشف لي، بفضل قضية سحب الثقة، ان الميل للتفرد بالسلطة لا يتحمله السيد المالكي وحده، بل ان هناك بعضاً من النواب لم يفارقهم الحنين للجلوس تحت خيمة دكتاتور يستمدون منه أوكسجين بقائهم على قيد الحياة السياسية.قبل يومين انبثق تجمع برلماني جديد يحمل اسم "الوفاء للعراق" دافعه الأساس، وكما معلن، هو الوقوف ضد السعي لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء. حقا سحرني الاسم لانه يوحي بان عشرين نائبا على الأقل قرروا أخيرا ان يكونوا أوفياء لوطنهم العراق. هذا رغم ان كلمة "العراق" صارت عندي مثل "جناسات" بيت الأبوذية تحمل اكثر من معنى. ألم يقولوا من قبل ان صدام هو العراق والعراق هو صدام؟ قلت لنفسي لانتظر اين سيعلن "الأوفياء" مؤتمرهم ليعلنوا به بيانهم الأول وعندها ستنكشف النوايا. ولانهم اختاروا العراق هدفا لوفائهم خطر ببالي انهم سيذهبون الى ساحة التحرير مثلا. وهناك يعلنون موقفهم من بؤس الخدمات ويعدون الناس بأنهم سينزلون للشوارع المتربة والمدارس المهلهلة ويقسمون بأنهم لن يناموا الا بعد ان تعود الكهرباء وان لا يبقى طفل يبحث عن لقمته بالقمامة او يشحذ عن مفترق الطرقات وشارات المرور.لم انتظر طويلا حتى وجدتهم حقا مجتمعين، لكن اين؟ في مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء يعلنون وفاءهم له. يا الهي ، هل العراق هو المالكي ايضا؟ اعوذ بالله من هذا الوسواس.لم أركز على شيء أكثر مما ركزت على طبيعة جلستهم وما سينطقون به، ان نطقوا. وهاهم مسؤولو السلطة التشريعية في حضرة مسؤول السلطة التنفيذية الذي خولوه ليكونوا مراقبين عليه بحكم الدستور. فمن كان المراقَب ومن هو الرقيب؟لم يجلس السيد المالكي بينهم بل جلس في صدر الطاولة. ولم نسمع صوتهم بل كان يخطب فيهم وكأن على رؤوسهم الطير. وهكذا دائما يفعل الدكتاتور مع السلطة التشريعية. صامتة وهو الموجه، وليس العكس كما يفترض. قال محمود درويش في قصيدة "خطب الدكتاتور": "لابد من برلمان جديد ومن أسئلة". وها هو التجمع البرلماني الجديد، وها هي أسئلة تلاطمت برأسي لأسألهم: هل انتم موظفون عنده يا حضرات؟ ام انكم تلاميذ في مدرسته ليجلسكم ولا يجلس بينكم؟ وان كانت الطاولة ضرورية جدا جدا، فعلام لم تكن مستديرة مثلا حتى لا رئيس فيها ولا مرؤوس؟ ثم أهذا هو "الوفاء للعراق"؟انتهى الخطاب، فعادت صور أيام البعث السود تتحرك في مخيلتي. كان أكثرها إلحاحا، على المثول في الذاكرة، تلك الأيام والليالي التي يكثر فيها صدام من خطبه المتلفزة. وشيء ما اوجع قلبي، فدمدمت مع نفسي ولا ادري لماذا: "لو دامت (الخطب) لغيرك ما وصلت إليك".
سلاما ياعراق : الوفاء للعراق أم للـ...؟
نشر في: 3 يوليو, 2012: 07:22 م