عامر القيسي من تجليات العملية السياسية في البلاد أن بعض المسؤولين يلوحون بأوراق العقاب الجماعي في حضرة الخلافات السياسية المستحكمة بين القوى السياسية في البلاد،وسياسة العقاب الجماعي عقلية صدّامية بامتياز وله فيها براءة اختراع من فكر الاستبداد والتسلط والاستحواذ، وما يقال الآن عن أن محاولات تجري لإيقاف ضخ الوقود بكل مشتقاته الى إقليم كردستان على خلفية الخلاف بين أربيل وبغداد ينطلق من تلك العقلية البائدة.
فقد هدد ولا يزال يهدد السيد الشهرستاني باستخدام النفط سلاحا في " المعركة " ضد " الأعداء" الكرد، وقيل علنا ان وساطات من قبل السيد رئيس الجمهورية جلال طالباني قد حالت دون تنفيذ القرار فورا وانما جرى تأجيله لاستخدام هذه الورقة في وقت لاحق!! ولا ندري ان كان الشهرستاني يريد معاقبة الشعب الكردي، والذي تعيش في منطقته آلاف العوائل العربية من الوسط والجنوب شيعة وسنّة مسلمين ومسيحيين وغيرهم من مكونات العراق،بسبب مواقف رئيس الاقليم مسعود بارزاني من حكومة المالكي لاستخلاص موقف أقل "تشددا" فيما يتعلق بسحب الثقة من رئيس الوزراء المالكي، أم انه يتعامل بعقلية العقاب الجماعي حرصا على ثروات البلاد التي تهرّب أمام أعينه منذ سنوات في مناطق أخرى من العراق!عقلية العقاب لا الجماعي ولا السياسي ينبغي أن يكون لها موقع في العمل السياسي في البلاد، ومن المفترض أن نكون قد غادرناها منذ أن انطلقنا "ببناء" العراق المختلف عن عقلية الهيمنة أولا وزج الناس في الصراعات السياسية التي يتوجب أن تفضي في النهاية الى خدمة هؤلاء الناس ثانيا.. لا التلويح بمعاقبتهم جمعيا.هل يعتقد السيد الشهرستاني ان سيارات المسؤولين في كردستان ستركن على الارصفة لأن وقود السيد الشهرستاني لن يدخل الى الإقليم؟ سؤال يتوجب أن يجيب عليه بوضوح وصراحة ليتوصل الى أن الضرر الأكبر سيقع على المواطنين في الاقليم بكل تكويناتهم وأن من سيدفع ثمن تلك العقوبات هو المواطن البسيط. وبغض النظر ان كان التهديد قائما أو انه أصبح جزءا من الماضي،الا ان الحقيقة التي تبرزها لنا صراعات القوى السياسية،هي وجود عقليات مازالت تحكم بالطريقة الصدامية المقيتة في جعل الناس وقودا للصراعات وهدفا سهلا للحصول على التنازلات والانتصار في النهاية على الأعداء!الموضوع ليس حصريا بالشهرستاني فقد اتحفتنا شخصيات سياسية قيادية بتصريحات نارية تلوح بالعنف في حالة عدم الحصول على المكاسب، بل ان بعض تلك الشخصيات والقوى قد مارست العنف فعلا في الشارع، وهذه حقيقة معروفة لأصحاب القرار، وذهب ضحية تلك العقلية بسطاء الناس في الشارع دون ان يعرفوا حقيقة لماذا يستخدمونهم كماشة نار للحصول على أرغفة ساخنة من التنور العراقي!!المثير حقا ان تلك القوى والشخصيات قد عانت هي شخصيا أو المكونات التي ينتمون اليها من سياسات العقاب الجماعي الصدّامية، ومع ذلك يعتبرونها أنموذجا للحصول على المكاسب، مثل التي حصل عليها صدام وزبانيته بعد التاسع من نيسان 2003!!
كتابة على الحيطان:العقاب لمن؟
نشر في: 3 يوليو, 2012: 08:57 م