هاشم العقابي عندما توفي المطرب رياض احمد اتصلت بي جريدة الشرق الأوسط اللندنية لأكتب شيئا عنه. كان معي، في وقتها، شاعر ايرلندي صديق جاء لزيارتي. بان الحزن على وجهي وتكسرت نبرات صوتي، فسألني عما حدث. أخبرته بأن مطربا عراقيا مهما قد مات، فسألني عن عمره. وحين أخبرته انه لم يصل الخمسين بعد. تألم وقال لي: "أتعلم أن موت المطرب في هذا العمر يعني أن أحوال بلده ليست بخير!".
وحين تلقيت نبأ وفاة المطرب علاء سعد، وهو لم يبلغ الخمسين أيضا، تذكرت قول صديقي الايرلندي الذي لم يكن معي في هذه المرة، فبكيت. يالها من خسارة أخرى لبلد الخسارات. بحثت في الأخبار لأتأكد من صحة النبأ فوجدت ما كان لا يخطر ببالي. تصورت أني سأجد العراقيين حزانى ومفجوعين مثلي بفقدان صوت يندر أن يجدوا له بديلا لقوته وصفائه وعذوبته.كان الذي لا يخطر بالبال هو سيل الشتائم والتشفي بموته الذي جاء في تعليقات كثير من العراقيين على الخبر. منهم من لم يتردد حتى في القول: "إلى جهنم وبئس المصير". إنها كارثة أخلاقية تضاف إلى ما نمّر به من كوارث سياسية، لا بل وطبيعية أيضا. الآن صرت أعرف بعضا من أسباب العواصف الترابية والهزات الأرضية التي صارت تترادف على العراق بشكل لم نعهده من قبل. أحقا صار فينا نحن العراقيين، من يشتم موتاه علناً وبدون حياء؟ من يا ترى فعلها قبلنا من باقي الشعوب؟ مصر حينما يموت فيها مطرب، كما حدث عند وفاة أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وفريد، تعلن الحداد الشعبي قبل الرسمي. وها هي قبورهم اليوم مزارات يقصدها الكبار والصغار، الشباب والشابات على الدوام. أغلب الشتامين والشامتين بموت علاء سعد يرجعون السبب إلى أغنية "البرتقالة" وكأنها هي السبب في انتشار الكواتم والمفخخات في الشوارع لتحصد أرواح الناس. يشتمونه وكأن "البرتقالة"، أيضا،هي التي حرمتهم من الكهرباء والماء والخدمات . الأغنية حلوة بكلماتها ولحنها لكن الاعتراض عليها، كما يبدو، جاء بسبب رقصة البنات اللواتي يظهرن في تصويرها. نسي هؤلاء أو تناسوا بأن أغلب العراقيات يرقصن على طريقة "البرتقالة" في جلساتهن الخاصة وفي ليالي الأعراس والمناسبات المفرحة. لا بل حتى في الأحزان هناك "لطمية" على وزنها بعنوان "والينا حيدر" تجدونها على اليوتيوب.التقيت علاء في دبي مرة أخرى فشكا لي أمرين. الأول مشكلة مرضه بالسكر واضطراب الكلى. والثاني هو الهجوم الذي يتعرض له بسبب "البرتقالة". قلت له لا تحزن ففينا من يرى عكس ما يرون. شرحت له أني شخصيا أجدها واحدة من الأغاني التي تسهم في محاربة الإرهاب وقواه الظلامية. بدت ملامح الارتياح على وجهه وسألني: وكيف؟ أجبته إنني عندما انظر للراقصات فيها أحمد الله لأنه لا يمكن أن تتحول واحدة منهن إلى انتحارية تفجر نفسها بين الناس أو في حفلات الأعراس لتحولها إلى مآتم كما حدث في الأردن ذات مرة. ثم أن هذا النوع من البنات لا يمكن أن يتزوجن من إرهابي أو يلدن إرهابيا. لا بل إن كل فتاة ترقص، في بيتها، رقصة "البرتقالة" لا يمكن أن أتخيلها تستطيب قتل الآخرين أو تؤوي إرهابياً في بيتها.وأنا المفجوع بك يا علاء أقول لك: نم سعيداً بجوار ربك فلقد قدمت لنا بصوتك وجرأتك إرثاً أسعدنا. ومن هو أجمل ممن يسعد الناس بأغان تعلمهم الحب والفرح والرقص .
سلاما ياعراق :شلكم عله ابن الناس؟
نشر في: 4 يوليو, 2012: 06:39 م