علي حسين لماذا يصرّ البعض على منع الآخرين من مناقشة القضايا المتعلقة بمستقبل البلاد واستقرارها، الجواب واضح لأن إزالة الغبار الكثيف الذي يغطي حياتنا السياسية سوف يكشف للناس أن المعركة الحقيقية ليست مع أشخاص معينين وإنما هي مع السذاجة السياسية التي يراد لها أن تسود حياتنا، فقد بات مؤكدا أن البعض لن يتراجع عن المضي
في مشروعه الرامي إلى تهميش المختلفين معه واعتبارهم جزءا مريضا وغير صالح في العملية السياسية، ولذا يجب بتره كي تمضي المسيرة إلى الأمام دون أن تقف في طريقها أية معارضة سياسية مهما كان شكلها وحجمها ولونها.اليوم نجد مستشاري رئيس الوزراء منهمكين بإعداد البيانات والخطب الثورية ضد كل الذين تورطوا وسمحوا لأنفسهم أن يجتمعوا في أربيل أو النجف، مستشارون مصرون على أن البلاد ملك لفصيل واحد فقط ولهذا هم يوجهون مدافعهم وقاذفاتهم على مختلف الجبهات.. وكانت آخر هذه القذائف ما صرحت به مستشارة رئيس الوزراء مريم الرئيس التي قالت أمس إن "كل من وقع على سحب الثقة عن رئيس الوزراء هتك بفعلته هذه مبدأ الشراكة الوطنية واتفاقية أربيل التي تشكلت على ضوئها الحكومة الحالية"، وأضافت إن "الكتل التي عارضت الحكومة الحالية مع تمسكها بالمكتسبات التي منحت لها بعد تسنمها مناصب مهمة فيها ستكون محلا لإعادة النظر في إشراكهم بحكومة الأغلبية كونها لم تتخذ موقفا محددا من تأييد الحكومة أو معارضتها". مؤكدة أن "من وقف إلى جانب الحكومة في الوقت الحالي على الرغم من عدم مشاركته الكبيرة في الحكومة لا يتساوى مع من عارضها.وأنا اقرأ تصريح المستشارة – القانونية - وجدت أن هناك ثلاثة احتمالات وراء هذا التصريح الثوري فإما أن الريس صادقة مئة بالمئة وهذا يعني أنها ضمنت أصوات الأكثرية أو أنها لا تعرف أن القوى التي طالبت بسحب الثقة هي كتل رئيسية في البرلمان – العراقية – التحالف الكردستاني – التيار الصدري، والاحتمال الأخير ان المستشارة توهم نفسها بأنها تملك مفاتيح خزائن علي بابا وإنها وحدها التي يمكن لها ان تمنح الآخرين مناصب لكي ينعموا بخيرات الحكومة ومنافعها وغنائمها ومقاولاتها، وشخصيا أتمنى أن يكون الاحتمال الأخير هو الحقيقة لأسباب كثيرة. أولها انه من المضحك أن نتصور أن السيد المالكي يستطيع أن يشكل لوحده حكومة أغلبية.. وبالتالي فأن الريس تضعه في ورطة حقيقية. وثانيا اننا لا يمكن بعد ذلك أن نثق في دستور يريد البعض أن يفسره على هواه لأنه يعتقد انه وحده القانون ونصير الحق والعدل. وبناء عليه ندعو الله صادقين أن تكون المستشارة الريس دقيقة وصادقة في بيانها الأخير، وان تثبت لنا نحن المشاغبين قبل غيرنا ان بإمكانها توزيع خيرات الحكومة بالقسطاط بين الذين رفضوا التوقيع على عريضة سحب الثقة، وان الذين وضعوا بصماتهم على هذه الورقة المشؤومة لا مكان لهم في الجنة الموعودة، أتمنى ذلك وادعوا مخلصا ان يتحقق حفاظا على صورة المستشارة التي تبدو دائما واثقة الخطى وهي تتحدث، وخوفا على النواب الذين لم يوقعوا من ان يخرجوا من المولد بلا حمص على حد تعبير أشقائنا المصريين، بعد أن خرج العراقيين جميعا من مولد التغيير خالين الوفاض نتيجة تسع سنوات من اللف والدوران والتخبط والعشوائية في إدارة البلاد.إن مريم الريس في بيانها الأخير تقدم نفسها باعتبارها مالكة خزائن الدولة، وتعرف دروب ومسالك الحكم، وبيدها كل ملفات السياسيين، وبالأسماء والحروف، وتلوح بقدرتها على منح مناصب للمؤيدين، ووضع المعترضين في طائرات ستختار طريقين إما المنافي أو المقابر. وإذا كانت المستشارة القانونية تستخدم أسلحة الترغيب والترهيب غير المشروعة مع المعارضين، فماذا يمكن أن تفعل لو أن المالكي استطاع ان يشكل حكومة أغلبية؟ أغلب الظن أن محاكم التفتيش ستفتح ابوابها امام الجميع، وستكون المعارضة طريقا إلى القبور، وليس إلى بناء البلد، وتتحول الدولة إلى مغارة مفاتيحها بيد مستشاري المالكي.
العمود الثامن:جنة مريم الريس
نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:20 م