اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > معنى أن تكون مثقفاً

معنى أن تكون مثقفاً

نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:26 م

(2-2)د. خالد السلطاني معمار، وأكاديمي يشرك كاتب المذكرات قارئه في الإحساس بالابتهاج والفخر، للمنجز الهندسي/ الإنشائي المتحقق، الذي اشتغل عليه إحسان شيرزاد على امتداد نشاطه المهني، الممتد طيلة ستة عقود ونيف. انه نشاط جاد، وممتع، وعالي المهنية، وفي كثير منه رائد، ومتفرد. لكنه، بالطبع،
 لا يخلو من قلق، القلق الإبداعي للحصول على أعلى درجات الإتقان والحرفية. نقرأ في اليوميات عن أحداث مفرحة، اضطلع بها إحسان شيرزاد، وأخرى تبعث على الحزن. فهو على سبيل المثال، تحدث عن أوائل أعماله الهندسية في أربيل، وهو جسر خرساني في منطقة كوره. والذي يذكره بكثير من الحنيّة المشوبة بالغبطة، "..هذا العمل الذي اعتز به يعد من بواكير أعمالي الإنشائية..، وهو أول جسر كونكريتي مسلح بهيكل صلب من نوعه في العراق" (ص. 87). وإذ يشكر العمال الذين تفانوا معه في انجاز واجبهم، فإنه، احتفالا، في إتمام أعمال الجسر، يرتدي اللباس الكردي التقليدي، ويقرأ "المولد النبوي" لهم ولأهالي المنطقة المحتفين به وبالجسر الجديد!. يتذكر الكاتب أيضا، وبهلع، حادثة سقوط قالب نصب الحرية، في ساحة التحرير ببغداد، هو الذي أوكلت له الأعمال الإنشائية والإشراف الفني على التنفيذ. ويكتب ".. اذكر، أنه في المراحل الأخيرة للعمل، هبت رياح قوية أدت إلى هدم القالب الخشبي، الذي كانت عملية ربطه قد استغرقت شهراً كاملاً. وأتذكر أنه في ليلة العاصفة، وعندما كلمني المهندس حسيب صالح هاتفياً، ذهبت مسرعاً إلى مواقع النصب ليلاً. وقد تطلب الموقف مضاعفة الجهود لإنشاء قالب خشبي جديد... واذكر ايضاً ـ أنني لم انم في الليلة التي سبقت نهار فك القالب، خشية عدم تحمل النصب لثقله الكبير.." (ص. 141). كثيرة هي المباني، التي اشتغل إحسان شيرزاد على حلولها الإنشائية. إنها في الواقع، تعد، الآن، مثار اعتزاز  المنجز الهندسي العراقي؛ فهو أسس مصرف الرافدين ، وأسس فندق بغداد، وعمارة بير داود، وجامع الست نفيسة، وعمارة منير عباس، وعمارة عبود، ، وجسور قناة الجيش، ومبنى مجلس الوزراء، والمجمع العلمي العراقي، ومبنى اتحاد الصناعات، وغير ذلك الكثير من المباني سواء المشيدة في بغداد أم خارجها، بل وحتى في خارج العراق أيضا. (ثمة قائمة بجميع المباني التي اشتغل عليها شيرزاد إنشائياً منشورة في "المذكرات" في صفحات رقم (889، و890، و891).يميل إحسان شيرزاد إلى الدقة. بل هو ينزع لأن تكون الدقة المتحصلة على قدر كبير من الكمال والإتقان. وهذا الأمر لا ينحصر في الجانب المهني فقط، وإنما يشمل كل ما يمكن له أن يكون موضوعاً لانشغالاته. يثبت ذلك الأعمال الهندسية عالية الإتقان التي أنجزها، وتبرهن عليها المعلومات الموثقة الغزيرة، الحافلة بها يومياته التي نقرأها في كتابه المنشور. في مذكراته خزين من المعلومات الدقيقة، وذات الصدقية العالية. إنها مرجع رصين- كما أشير سابقاً – لأحداث متنوعة. وأنا، هنا، اقتطع "جزئية" من ذخيرة تلك المعلومات؛ التي قد لا تكون مثار اهتمام كثر من القراء، لكنها ذات أهمية بالغة للمعماريين، ولتاريخ عمارة الحداثة بالعراق تحديداً. إذ يعرف غالبية المعماريين العراقيين، بأن المعمار العالمي الشهير "فرنك لويد رايت"، زار بغداد في الخمسينات، وألقى محاضرة في جمعية المهندسين العراقية. بيد أن دقة شيرزاد وحرصه التوثيقي، لا تفوت هذه المناسبة، إذ يذكرها في اليوم والشهر والسنة؛ إنها: الأربعاء 22/ 5/ 1957، ويضيف في يومياته، مسجلاً بعضاً من مضمون محاضرة  رأيت، ويذكر بأنه ".. أشار في مستهل حديثه إلى أن تكليف مجلس الإعمار له بتصميم دار الأوبرا ببغداد، هو أحسن هدية له في ذكرى ميلاده الثامن والثمانين..، كما تم تكليفه في الوقت نفسه بتصميم مديرية البرق والبريد في بغداد" (ص. 148). نقرأ أيضا في المذكرات، بان "ألفار آلتو": المعمار الفنلندي المعروف، الذي كلف في وقتها بتصميم متحف الفنون الجميلة في العوينة بوسط بغداد، ألقى هو الآخر في يوم الجمعة الموافق 26 تموز 1957، على حدائق جمعية المهندسين محاضرة، عن مشروعه الجديد. (ص. 148). إنها معلومة هامة لجهة تحديد تاريخ الزيارة والمحاضرة،  تضيف معارف طازجة إلى وثائق عمارة الحداثة بالعراق. يسرد إحسان شيرزاد يومياته بإخلاص وتواضع صادقين. ورغم مهابة الأحداث وأهميتها، التي اضطلع بها كرجل دولة مقتدر، فإنها تظل غامرة بالحس الإنساني؛ الذي يجعل منها أحداثاً قريبة من قبل معظم القراء، ومفهومه لديهم. وهو لا يتوانى عن كشف أحاسيسه الصادقة ويعرضها أمام متلقي يومياته، بصورة مباشرة وعفوية. ولهذا ندرك، نحن القراء، بسهولة ونتفهم شعوره "الإنساني"؛ وخصوصاً عندما يكتب، وهو في بعثته الأمريكية ".. كنت وأنا البعيد عن الأهل، ابعث برسائل صوتية إلى والدتي.. أبدؤها بتلاوة القرآن الكريم، ..فقد كانت – رحمها الله – تحب سماع صوتي وأنا أتلو القرآن الكريم" (ص. 50). أو عندما يشير في مذكراته إلى ذلك مراراً "..قرأت المولد النبوي مع العائلة، كالعادة، بالغة الكردية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram