حازم مبيضين فيما يزداد نزف الدم السوري، وتنتشر روائح اللحم البشري المحترق، وتغلق أسواق دمشق أبوابها وتمخض اجتماعات معارضي النظام عن انتخاب رئيس جديد وكأن هذا همهم الأول، يدور نقاش " عن بعد " بين أطراف المجتمع الدولي المعنية بالأزمة السورية، وكأن ما يجري في بلاد الشام على خطورته، لا يستحق اجتماعاً مستمراً لاينفض بغير التوصل إلى اتفاق يخرج سوريا من النفق المظلم الذي تراوح فيه منذ أكثر من عام، تجاوز عدد الضحايا فيه حاجز العشرة آلاف قتيل، بينهم جنود نذرهم أهلهم للدفاع عن الوطن، وأطفال لم يعرفوا أبداً من أين يتفجر كل هذا الحقد ضدهم، وأبرياء قضوا نحبهم ولن يتمكن أحد من تسجيل موتهم على حساب النظام أو حساب المعارضة.
المبعوث الأممي كوفي عنان، بعد زيارته دمشق يقول إن النقاش يدور حالياً للبحث عن خيارات أخرى تسمح بتنفيذ خطته لحل الأزمة السورية، وفي الوقت عينه يدعو إلى زيادة الضغط على النظام السوري ومعارضيه لتطبيقها، وكأنه بذلك ينعى مهمته ويفكر بالتخلي عنها لصالح تشكيل مجموعة اتصال دولية تضم دولا لها نفوذ على كل من الحكومة والمعارضة، وإذ نعترف بأن مهمة عنان كانت بلا أنياب، في ساحة ينهش فيها الجميع لحم الجميع، فإننا مع أن يعلن الرجل دون مواربة الانسحاب، على أن يترافق ذلك مع مهمة أخلاقية هي أن يعلن لنا وللشعب السوري عن الطرف الذي عرقل مهمته، وأوصلها إلى حائط مسدود. على الضفة الأخرى يعلن وزير الخارجية الروسي، أن بلاده لن تعارض رحيل الرئيس بشار الأسد، شرط أن تكون هذه الخطوة نتيجة حوار بين السوريين، وهذا تطور في الموقف الروسي يترافق مع إصرار على معارضة وضع خطة لاستبدال النظام، بالطريقة التي اتبعت مع القذافي في ليبيا، والتمسك بخطة عنان كحل وحيد للأزمة، مع اتهام جهات لم يسمها بتجنيد مرتزقة متطرفين وتسليحهم، وتبرئة النظام السوري من كونه الوحيد الذي يمارس العنف الذي أفضى إلى موجة نزوح لم تعرفها البلاد من قبل، وفي آخر الأمر يدعو لعقد مؤتمر دولي لبحث تسوية الأزمة، يشارك فيه من وصفهم بلاعبين إقليميين من خارج مجلس الأمن كتركيا وإيران وقطر والسعودية بما يعتبره فرصة للمعارضة كي تدخل المفاوضات كما سيرغم المحاربين على التفاوض.المعارضة السورية رفضت على لسان رئيسها الجديد عبد الباسط سيدا تصريحات لافروف ودعته إلى الإنصات إلى تصريحات عنان وفحواها فشل خطته، وأكدت تلك المعارضة من منفاها رفضها الدخول في أي حوار لنقل السلطة قبل تنحي الأسد، ودمشق واصلت عملياً تمسكها بالحل الأمني وخطة عنان، مع استبعاد أي دور للجامعة العربية، ورفض سماع أي صوت من معارضة الخارج كما تصفها، وهكذا نجد أنفسنا في بازار تضيع فيه الأصوات، ويتنافس البائعون على دم السوريين، وتدخل بلاد الشام في حرب أهلية لم نعد نخشى وقوعها بعد أن باتت واقعاً.سلام على أهل سوريا الطيبين، وعلى ظلال الأموي، وهدير بحر اللاذقية، والجولان الرازح تحت الاحتلال، وجامع سيدي خالد، وذكرى الشهداء الطيبين، سلطان الأطرش وصالح العلي والخراط وهنانو ويوسف العظمة وجول جمال.. سلام على كل نقطة دم سورية أريقت، أو ما زالت تنبض في العروق.
في الحدث:الأزمة السورية بين عنان ولافروف
نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:36 م