سلام خياط تذكر أسطورة يونانية قديمة: إن الرب حين خلق البشر، خلق معهم عطيتين: الثروة والعقل، ثم خير الخلق لنوال واحدة منهما، فمن يمتلك هذي لا يحق له إمتلاك تلك. هرعت الخلائق – تقول الإسطورة- نحو كراديس العطايا، الكثرة الكاثرة نحو مربض الثروات، والقلة القليلة نحو مرابع العقل.
بعد حين من الدهر، والاستسلام لتصاريف الدهر، نفد ما كان بحوزة أهل المال، وعادوا عراة حفاة كما ولدتهم أمهاتهم، بينما تنعّم من اصطفى منحة العقل، بملكوت الأرض.هذه الأسطورة المتوارثة، دعت الحكيم سقراط أن يطلق صرخته التي صارت شعارا خالدا، ومثلا لمن يتعظ: اللهم دع كنوز الأرض تحت أقدام الحمقى، وأعطني عقلا غير مضطرب.الأسطورة اليونانية وصرخة الحكيم، لا بد أن تستحضر في الأذهان، ومشاهد ما نسمعه ونقرأه ونلمسه هذه الأيام من النهم الفاضح لامتلاك المال، وتهريبه خارج الحدود، ليستقر جثثا نابضة في مصارف الغرب، فهي جثث من حيث لا يمكن استنطاقها، فالموتى لا يتكلمون، وهي نابضة من حيث قدرتها على تزييت ماكنة الاقتصاد، وعمليات المصارف وإنقاذها من الانهيار.ليست ثروات الدول المهربة من ليبيا القذافي وأولاده، ولا تونس بن علي، ولا جمال وحسني مبارك والحاشية، ولا سوريا بشار والأقارب، ولا عراق صدام والمقربين، ولا من سينضم للقائمة، والآتي أعظم. ليست تلك الأرقام بالمليون – ليستهان بها – ولا بالمليارات ليغض الطرف عنها، بل تجاوزت الترليونات، هي نتاج وحق الشعوب المغلوبة على أمرها،وأحقيتها بالتعليم والصحة والرفاهية والمستقبل المضمون.وإلا...... فهل هي صدفة محضة أن يختلف (المؤلفة قلوبهم) حد الاقتتال على طول اللحية، وعدد طيات العمامة، وقصر الدشداشة، وشفافية الحجاب، ولون النقاب، ووضع اليد أثناء الصلاة، ومضمون كلمات الأذان عبر المنائر والمنابر , و... و.. هل هي صدفة محضة أن يختلفوا على آلاف التفاصيل الصغيرة، التافهة،ويتفقوا على أمر جللل: البحث عن ملاذ آمن يخبئون في دهاليزه الأموال والخزائن المنهوبة، ليكتشفوا – بعد حين – إنهم لم يكونوا غير أدوات في لعبة شطرنج عالمية، وإنهم لم يملكوا مما سرقوا غير قبضة من سراب.قد تلوح للبعض مقولة الحكيم، باصطفاء نعمة العقل، غاية المنى، ولكن – ويا للندامة – يكون وقت التراجع قد فات.
السطور الأخيرة:مهندس الأمم.. لله درك
نشر في: 4 يوليو, 2012: 07:36 م