TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل: ثقافة الطعام ومرارة السياسة

قناديل: ثقافة الطعام ومرارة السياسة

نشر في: 8 يوليو, 2012: 06:47 م

 لطفية الدليميتفتقر السياسة في عالمنا المعاصرالى مفهوم ( التناسق )  بين عناصرها المختلفة ولذا تنطوي سياقاتها على نشاز وتناقض بين مكوناتها ومساراتها الخفية والمعلنة ولو درس السياسيون ثقافة الطعام لدى شعوب مختلفة في أنحاء عالمنا لكانوا قد عثروا على خارطة طريق ترشدهم إلى معنى مفهوم بالتناغم والتناسق اللذين تفتقر إليهما السياسة في عصرنا بابتعادها عن بداهات الحياة ونظرية التناغم .
يذكر كتاب الملح – تاريخ عالمي – أن الصين هي البلد الأكثر اهتماما بثقافة الطعام ومفهوم التناسق وقد انعكس ذلك على رؤية الإنسان الصيني للعالم من منظور متسع يربط بين الكون والإنسان وجميع الموجودات من نجوم وصخور وظواهر طبيعية ونباتات وثمار وحيوانات البر والبحر، وقد وجد الباحثون في علم الأطعمة أن تقاليد الطعام الصينية تختلف اختلافا كبيرا عن أساليب الغرب في التعامل مع الغذاء بخاصة استخدام الملح والتوابل المختلفة والمطيبات والنكهات التي تعبر عن غنى الشخصية الشرقية وارتباطها بالطبيعة وتناغمها مع الموسيقى والفنون ..يعتبر الصينيون طعام منطقة كانتون الجنوبية الطعام الأفضل – لكن بعد أن تولى ماوتسيتونغ وهو من منطقة هونان الحكم سنة 1949، ومعهد نغزيا وبينغمنسوتشوان – صار الطبق الحار المسمى (لا LA)، كثير التوابل الطبق الرسمي وشاع قول شعبي بأنك لن تكون ثوريا إذا لم تتناول طبق لا ورغم أن السياسة تجرأت وحاولت إفساد التقاليد الممتعة خلال حكم ماوتسيتونغ إلا أن ثقافة الطعام استردت عافيتها واستردت تقاليد التناغم والهارموني بين المذاقات وتخلصت من اثر السياسة فيها .اختفى العدوان السياسي الذي فرض طبقا رسميا في المطاعم والمآدب على الذائقة الشعبية فاستعادت ثقافة وتقاليد الطعام روحها الأصيلة باستخدام معادلة النكهات الست المستخدمة في الطعام السيتشواني الراقي، ويشبه الصينيون النكهات الست بنغمات موسيقية، فهي تحدث التناغم في الجسد وتطرد كل نشاز وتعزز الصحة، فكل نكهة تقابل نغمة من نغمات الموسيقى التقليدية -  فنكهة التوابل المفرطة تقابل النغمة (ما)  وهي النكهة السادسة الشائعة في الصين، وتعني نغمة "لا" الفلفل الحارق ويأتي بعدها المذاق الحلو لنكهة تيانو الحامض سوانوكسين المالح وكوا لطعم المر الذي يتميز بنكهات السياسة العالمية وافتقارها إلى عنصر ينتج التناغم.ولو استعان الساسة بفكرة التوازن والتناغم التي يجيدها خبراء الطعام لوفروا علينا المآسي والصراعات الكبرى والأزمات، فالصيني يلجأ الى الملح ليوازن بين الحلو والحامض والفلفلي والمرّ، كما اعتاد الصينيون القدماء إعداد الشاي مع الملح والزنجبيل لتخفيف مرارته فالآسيويون لم يعرفوا استخدام السكر معا لشاي الا حين توغل الاستعمار البريطاني في آسيا واستخدم الحاكم الانكليزي شيخا أفغانيا في كابول خلال القرن الثامن عشر ليفتي باستخدام السكر الانكليزي مع مشروب الشاي من اجل ترويج تجارة السكر وصناعته التي ازدهرت في بريطانيا بعد غزوها جزر الهند الغربية واستثمارها لمزارع قصب السكر ..برع الصينيون في الجمع بين النكهات المتعارضة في الطعام وأوجدوا تركيبة يتقبلها الجميع ووازنوا بين قوتين يعتقدون أنهما تتحكمان في العالم هما (ين) و(يانغ)، اللذين يرمزان إلى النور والظلمة والحرارة والبرودة والأنوثة والذكورة والليل والنهار والعنف والتسامح والعاطفة والقوة، وأسسوا على التوازن بينهما علاقاتهم الإنسانية ومواقفهم السياسية والاجتماعية وجميع الفعاليات الإنسانية التي تتطلب التوازن والتناغم بين المتضادات للتخفيف من هيمنة العنصر الواحد وليطلقوا تركيبة متوازنة من بين المتضادات المتناقضة كدرسِ في الأداء السياسي والحياتي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram