أحمد عبد الحسينلا نحتاج إلى دليل على أنْ لا أحزاب علمانية لدينا، مع ذلك فالأدلة التي تثبت ذلك تأتي يومياً بشكلٍ قاطع.الأحزاب ذوات الشعار العلمانيّ، الديمقراطيّ التقدميّ الخ، يتذكر أصحابها في "الملمّات" أنهم أتباع حزبٍ، وأن أيّ حزب في مضاربنا السعيدة ذو جوهر دينيّ تقديسيّ مهما كثرتْ فيه ومن حوله الإعدادات التي تريد أن تصبغه بصبغة علمانية سرعان ما تنحلّ مع أول زخّة مطر نقديّ.
جميعنا يعرف أن حزبنا الشيوعيّ هو خزانة أحلامنا بالديمقراطية والغد الأفضل والعدالة والحرية، حتى لمن كان مثلي، لم ينتم يوماً لحزب، ولم يحضر اجتماعاً أو يدفع اشتراكاً، ولم يعصب رأسه بعصابة حمراء.بين المثقف العراقيّ والحزب الشيوعيّ رابطة لا سبيل إلى فصمها، مهما بدتْ غير مرئية، لأسباب تأريخية حيناً ووجدانية أحياناً، فليس من مثقف يستحق اسمه إلا ويحمل هاجساً مؤداه أن هذا الحزب أقرب إليه من أي تنظيم سياسيّ آخر، هناك استثناءات! بالتأكيد لكنّي أزعم أن هذه هي القاعدة وقد استقيتها مما رأيت وسمعت وخبرت طوال ثلاثين سنة من اندغامي في الوسط الثقافي العراقي.أمس قام مثقف شابّ بنشر كتابة له على فيسبوك ينتقد فيها زيارة وفد الحزب لرئيس الوزراء، الرجل شيوعي أيضاً، ويبدو أنه حزّ في نفسه "كما في نفوسنا نحن" أن يجمع الحزب رجاله ويحجّ إلى رجل قال قبل أيام إنه وعصبته قضوا على الماركسية والشيوعية والإلحاد والعلمانية وهو في سبيله ليقضي على الحداثوية بإذن الله قضاء مبرماً، رجل ينتمي إلى حزبٍ أُسس لغرض واحد هو مواجهة "المدّ اليساري" كما قال عنه مؤسسوه وكاتبو تأريخه.كتابة صديقنا الشابّ كانت محض أسئلة عن جدوى الزيارة، فائدتها، مغزاها، حمّلها ألمه من تبخر أحلامه بالتغيير، وضياع جهده هو ورفاقه الذين ملأوا ساحة التحرير هتافاً فاعتقلوا وضربوا، وشهّر بهم رئيس الوزراء نفسه شخصياً حين وصفهم ـ كعادته ـ بالمتآمرين وقابضي الأموال من جهات أجنبية.ما أن نشر صديقنا كتابته حتى انهالت عليه ردود قاسية من قبل شيوعيين، قدامى وجدد، بعضها فيه اتهام له بالعمالة في استنساخ لعقلية أحزاب دينية دأبتْ على أن من ينتقدها فهم عميل بالضرورة، والبعض الآخر كان أقسى وتُشمّ منه رائحة تهديد.مؤسٍ أن يتحوّل شيوعيون فجأة إلى تبني عقيدة تقول بصمدية الحزب، وعلوّ قيادته عن كلّ نقد، مؤسٍ أكثر أن تتساوى عقليات شباب الحزب مع أفراد أحزاب قامتْ أساساً على التقديس كغريزة داعية إلى العنف ضدّ كل مختلف.أيها الرفاق.. نحن في زمن الاحتفال الكونيّ بالحرية، زمن فيسبوك وتويتر والإشهار الكوكبيّ العميم، وإن حنوّكم على أصنام صغيرة أو كبيرة لن ينجي هذه الأصنام من النقد، وتقديسكم المبالغ للفكرة كما للشخص تجعلكم في خندق واحد مع أحزاب طالما انتقدتموها.اتركوا للشباب حرية أن يدلونا وإياكم على الباب الذي يمكن أن ندخل منه إلى العصر الحاضر والمستقبل، إلى الزمن الذي ليس فيه أصنام ولا سدنة.
قرطاس: سالم حزبنا!
نشر في: 8 يوليو, 2012: 06:50 م