عدنان حسينللمرة الثالثة يستوقفني شخص في شارع المتنبي ليقول لي الكلام ذاته تقريباً: معجب بما أكتب (شكراً). ما أطرحه صحيح (شكراً جزيلاً).. هناك مؤاخذة واحدة ( تسعدني معرفتها). أسأله: ما هي؟ فيجيب: لماذا لا تكتب الشيء نفسه عن الكرد؟
لم أفترض انه بدافع الشوفينية يريدني أن أكتب عن الكرد، أي ضدهم، فالمؤكد أن التعبير يخونه، إذ لابد انه يقصد القيادة الكردية أو المسؤولين الكرد، فانا لا اكتب عن العرب لكي يطالبني بالكتابة في المقابل عن الكرد. ما أكتبه يتناول في الغالب الجوانب المختلفة للفشل البيّن في عمل الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة التابعة لهما فضلاً عن القضاء والهيئات المستقلة.أفهم الملاحظة وأتفهمها، فهذا الشخص ليس أول من أسمعني إياها ولن يكون الأخير بالتأكيد. وجوابي بسيط للغاية.أعيش في العاصمة بغداد. أعمل وأكتب منذ سنة وبعض السنة لصحيفة تصدر فيها باللغة العربية. تغرّبت عن الوطن ما يزيد عن الثلاثين سنة رغماً عني. كرّست كل ما أحوز من موهبة وكفاءة وخبرة (إن وجدت) في ميدان الصحافة والإعلام في سبيل هزيمة المشروع الدكتاتوري وإحلال المشروع الديمقراطي (الحقيقي) محله، ودفعت وعائلتي في هذا السبيل ثمناً باهظاً لا تعادله ثروة البنك المركزي من العملة الصعبة.من أجل الهدف نفسه، المشروع الديمقراطي، عدت إلى بغداد مختاراً لأعمل براتب متواضع بالمقارنة مع ما كنتُ أتقاضاه في الخارج ومع آخر ما عُرض عليّ في إحدى دول الخليج العربي.في بغداد وجدت أن هدفي الذي يشاطرني فيه 90 في المئة (حتى لا أدعي 99.9 في المئة) من الشعب العراقي لم يزل بعيداً كما كان من قبل، بالرغم من الضجيج الديمقراطي المدوي داخل قبة البرلمان وفي أروقة الحكومة وفي ساحة الإعلام. بالتأكيد هو الآن أقرب مما كان عليه في العهد السابق، فآنذاك كان انسداد الآفاق شاملاً وكاملاً، أما الآن فثمة كوة صغيرة يدخل منها شعاع ضوء. وما أعمل عليه مع الآلاف من المثقفين، وبينهم الإعلاميون من أمثالي، والسياسيون الوطنيون هو توسيع هذه الكوة يوماً بعد آخر.هذه ليست بالمهمة الهيّنة. إنها شاقة للغاية، فهناك من يعمل ضدنا بقوة مفرطة. هؤلاء بالنسبة لي موجودون في بغداد. إنهم يملأون كراسي البرلمان الاتحادي والحكومة الاتحادية والقضاء الاتحادي والوزارات والدوائر والمؤسسات الاتحادية، وبأيديهم الحل والربط. هم المسؤولون عن الفساد المالي والإداري وسوء الخدمات وتردي الأحوال المعيشية للناس وتخلف المجتمع... الخ. في أيديهم أهم ما يلزم لصنع حياة مختلفة في العراق، السلطة والثروة، لكنهم عن سابق ترصد وإصرار لا يفعلون، وواجبي كصحفي أن أقول هذه الحقيقة على مدار الساعة. أليس إقليم كردستان جزءا من العراق؟ أليس فيه أخطاء وخطايا ونواقص تشبه ما في بغداد؟ نعم، بالتأكيد يوجد، لكن ملعبي الرئيس في بغداد. في الإقليم يوجد إعلاميون أشجع مني يقومون بواجبهم على هذا الصعيد. وشخصياً لم أتردد في نقد المظاهر السلبية في الإقليم لا في ما كتبت ولا في اللقاءات المباشرة مع القادة الكرد التي شهد بعضاً منها زملاء وأصدقاء.أهم مثلبة في عمل سلطات الإقليم هي الفساد المالي والإداري. لكن هناك فرقا على هذا الصعيد بين ما يجري في الإقليم وما يجري في سائر أنحاء البلاد. الفاسدون في الإقليم يهرّبون بعض ما يسرقون إلى الخارج لكنهم يستثمرون معظمه في الداخل.. يبنون المولات والفنادق ومنشآت السياحة والاصطياف والمعامل وسوى ذلك، أما فاسدونا، في بغداد والموصل والبصرة وكركوك والحلة والعمارة وتكريت، فأنهم يهرّبون إلى الخارج كل ما يسرقون لشراء العمارات والمساكن والمشاركة في استثمارات الملاهي والفنادق، وما إلى ذلك. أقنعوا فاسدينا، العرب، بان يفعلوا مثل ما يفعل أقرانهم الكرد ليكون لنا كلام آخر.
شناشيل: فاسدونا وفاسدو الكرد
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:02 م