علي حسينحصل الحزب الشيوعي العراقي، على احترام الشارع وأيضاً على تقدير معظم القوى السياسية، من بوابة رفضه المحاصصة الطائفية والانتهازية السياسية وعدم تورط مسؤوليه بقضايا فساد، وربما يختلف العراقيون حول معظم الأحزاب والكتل السياسية،
واعتقد أن اثنين من العراقيين لا يختلفان حول وطنية هذا الحزب ونزاهته، ومع هذا نجد البعض يأخذ على قيادة الحزب بأنها تقف أحيانا في منطقة رمادية ليس لها معالم واضحة، بين حزب يمثل آمال وأحلام الفقراء والمثقفين ودعاة الدولة المدنية.. وبين قيادة –مع احترامي الكبير لرموزها الوطنية- لها حسابات سياسية وعلاقات ربما تاريخية مع قوى السلطة.وأصحاب هذا الرأي يقولون أيضا إن الحزب الشيوعي كان بإمكانه أن يحرك المياه الآسنة في "بركة" السياسية، فهو وحدة القادر أن يقول: باطل للفساد والمفسدين وباطل للطائفية والمحاصصة، لأنه حزب لم تتلوث أياديه بسرقة المال العام، ولا يملك مليشيات ترعب الناس وتستغل ضعفهم وليس له نواب ووزراء يقلبون عيشهم وعيش أحزابهم، ولأنه يصر على إقامة دولة مدنية، ولعل الرصاصة الأولى في تظاهرات شباط أطلقها الشيوعيون ومناصروهم حين توحدوا مع إرادة العراقيين ومقتضيات المصلحة الوطنية التي ترفض مشروع المحاصصة الطائفية، وهو الموقف الذي لم تنسه الحكومة فمارست ضد الحزب وأنصاره عمليات قصف وصلت إلى حد مداهمة مقاره واعتقال العديد من ناشطيه.ومثلي مثل الكثير من المتابعين للشأن السياسي ندرك جيدا أن العلاقة بين رئيس الوزراء والحزب الشيوعي فيها شيء من عدم الاستلطاف.. كون الشيوعيون يمارسون عملا سياسيا وجماهيريا يزعج الأمن في كثير من الأحيان، بدليل أن معظم تظاهرات الحزب الشيوعي تقابل إما بالمنع أو تحاط بأعداد كبيرة من قوات مكافحة الشغب، تحسبا لشعارات وهتافات قد تكدر بعض المسؤولين أو تعكر صفو العلاقة الرومانسية بين السيد المالكي والمواطنين، وان هذه الاحتجاجات تواجه دوما بخطابات حادة من قبل رئيس الوزراء الذي بشر العراقيين في إحدى خطبه بأنه أزاح نفوذ الليبراليين والماركسيين في البلاد، ومثل غيري من العراقيين كنت أتابع أنشطة المالكي ومشاركاته في المناسبات السياسية والحزبية والتي خرجت منها بحصيلة تقول إن المالكي لم يحضر مناسبة أو مؤتمر للحزب الشيوعي في الوقت الذي نجده في الصفوف الأمامية لمؤتمرات تقيمها بعض العشائر.. ولهذا وجدت أن الدهشة عقدت لسان الكثيرين من محبي ومناصري الحزب الشيوعي وأنا منهم حين خرجت علينا الأنباء تقول إن "وفدا من الحزب الشيوعي العراقي التقى، رئيس الحكومة نوري المالكي وبحث معه آخر التطورات على الساحة السياسية"، طبعا هذا اللقاء بين رئيس الوزراء والحزب الشيوعي حدث بعد أكثر من سنتين مارس فيها رئيس الوزراء قطيعة كاملة مع القوى اليسارية والليبرالية ورفض أن يسمع رأيها في الازمة السياسية، بل مارس رحلة اللاعودة للدولة المدنية.فما الذي دفع الشيوعيون للجلوس مع رئيس وزراء لا تزال سماؤه غائمة ولم يحسم حتى هذه اللحظة موقفه من بناء دولة المؤسسات، كما انه لا يزال يتجنب الخوض في حديث جدي عن الإصلاح، كما أن مقربيه ومؤيديه لا يزالون يرفضون فكرة النقاش حول المالكي ويريدون من الجميع أن يقبلوا بمشروعه السياسي كما هو بلا نقاش او طلب اجابات عن اسئلة كثيرة ؟، كما ان المالكي ومن معه يريدون دولة مبايعة لا مشاركة حقيقة، وتسليما لا مناقشة، بل إن البعض منهم مصر على ان استبدال ديكتاتورية قديمة بأخرى جديدة.طبعا لا خلاف على أن امام الحزب الشيوعي والقوى المدنية وأمام العراقيين جميعا فرصة ذهبية لتحريك عجلة الإصلاح السياسي والتغيير ، بشرط أن يكون الحزب الشيوعي شريكا فاعلا، ولا يكتفي بدور المتفرج الذي يراقب من بعيد، ففي دولة انهكها الفساد والمحسوبية وأحزاب الطوائف والفقر، المطلوب ان يستمر الضغط من اجل حلم التغيير في فضاء السياسة التي بلغت اليوم حدا من التكلس والصدأ وخلقت طبقة سياسية تعتقد أن الشعب يجب أن يبقى مغيبا يركض وراء رغيف الخبز والحد الأدنى من متطلبات العيش ويهتف للحكومة بطول العمر والبقاء. وأزعم أن الاصدقاء في قيادة الحزب الشيوعي أمام ورطة حقيقية اذا تركوا الامور معلقة ومضببة بهذا الشكل، لأن عليهم ان يقولوا لنا بوضوح لماذا ذهبوا الى المالكي؟
العمود الثامن: ورطة الحزب الشيوعي
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:07 م