هاشم العقابي ينسب إلى لقمان الحكيم أنه من قال "رب أخ لك لم تلده أمك". قطعا كان هذا الحكيم يقصد الصديق. وأعتقد أن لا أحد منا لم يحظ ذات يوم بصديق كان أفضل له ممن شاركه الرحم والثدي. لكن هل كان لقمان يعلم بأن هناك أخا ستلده "الانترنت"؟ طبعا لم يمر بباله، ولا حتى ببال اغلب الناس إلى حد قبل عشرة أعوام تقريبا.
كانت ظاهرة التواصل الالكتروني قد برزت مع ظهور ما يسمى بغرف "التشات" أو الثرثرة، كما يسميها جمعة اللامي، إلا أنها وصلت أوج انتشارها بظهور موقع "الفيسبوك". وان كانت الفكرة الرئيسة من وراء إنشاء "الفيسبوك" هي أن يضع فيه المشترك صورته ونبذة عن حياته ليتعرف عليه أصدقاء أيام الطفولة وزملاء الدراسة، إلا أنها تطورت فصارت سبيلا لإنشاء صداقات جديدة. صداقات من نوع لم تعهده الناس من قبل، إذ تصادق فيها بشرا لم تجلس معهم ولم تحدثهم وجها لوجه. لو صرح احد، قبل زمن الانترنت، بان لديه صديقا رائعا لكنه لم يره أو يصافحه أو يسمع صوته، لقلنا عنه إنه مجنون رسمي.وفي الغرب، حظيت ظاهرة الصداقات الالكترونية باهتمام علماء النفس والاجتماع واعتبرها البعض سببا مباشرا في قتل الصداقات الحقيقية ، إذ صارت الناس تعزف عنها مفضلة الاكتفاء بالالكترونية. لذا دخل مصطلح الصديق الالكتروني في القواميس الانكليزية. ولتمييزه عن الصديق الواقعي friend صار اسمه e-friend. ويقصد به، قاموسيا، العلاقة التي تنشأ بين شخصين في فضاء الانترنت حصرا.أنا شخصيا، وعلى الفيسبوك وحده، لدي أكثر من خمسة آلاف صديق ألكتروني، لم ألتق منهم وجها لوجه غير الذين أعرفهم أساسا في عالم الواقع، ولا يتجاوزون عدد أصابع اليدين. مع هذا فيهم من أسعدني بصداقته. وفيهم أيضا من أتعبني بها جدا. يتعبني الذي يتصور انه صار يعرفني حق المعرفة ويحكم علي أو ينقدني بقسوة لأنه "صديق" وهذا هو حق الصداقة برأيه فأحتار كيف أداري "مزاجه" الألكتروني! ومثلما في عالم الواقع، قد تنقلب الصداقة الشديدة إلى عداوة أشد، فان الصديق الالكتروني، خاصة إذا كان عراقيا، قد ينقلب بسرعة البرق إلى "عدو ألكتروني" مبين. الفارق بين العداوتين، الواقعية والالكترونية، هو أن الأخيرة يمكن محوها من أساسها بالضغط على زر ألكتروني مثل "الدليت" أو "البلوك" لقطع دابرها من العرق. بينما الأولى يصعب الخلاص منها، ومن آثارها النفسية والاجتماعية، بسهولة. وإن كان المتخصصون في دول الغرب قد أكثروا من البحوث والاستفتاءات لدراسة مضار ومنافع "الصديق الالكتروني" لكني لم أجد لديهم اهتماما في الكشف عن ظاهرة "العدو الالكتروني". يبدو أن هذا من اختصاصنا نحن العراقيين مما شجعني على الكتابة عنه، ولكن لاحقا. ليس غدا. إنما بعد أن تنجح "المدى"، والى الأبد، في دحر "عدوها" الالكتروني الذي ناصب موقعها العداء وتكشف لنا عن وجهه الذي لا أظن أنه سيفاجئنا.
سلاما ياعراق :الصديق الألكتروني
نشر في: 8 يوليو, 2012: 07:43 م