سرمد الطائي القول الشائع هذه الأيام إن تحديد ولاية رئيس حكومة العراق بدورتين فقط، بدعة في تاريخ الديمقراطيات النيابية، وان على كتل العراق وأحزابه وزعمائه وناشطيه، أن يسلموا بتقاليد التداول السلمي للسلطة المعروفة في بريطانيا، ويكفوا عن "حسد العيشة" الموجه تحديدا للسيد نوري المالكي.
هذا كلام لا غبار عليه ولا إشكال، فالديمقراطيات النيابية المعروفة لا تحدد ولاية لرئيس حكومة، طالما كان يرأس ائتلافا من كتل برلمانية وعلى أساس حجم تمثيله في المجلس التشريعي المنتخب. لكن علينا أن نلاحظ وظيفتين للمسار الديمقراطي في العراق، الأولى هي تداول السلطة سلميا، وفق تقاليد العالم المتقدم، والوظيفة الثانية هي حماية المسار الديمقراطي من زعماء لا يلتزمون بشروط العمل السياسي الحديث، وفي مرحلة لا تزال انتقالية بكل معنى الكلمة.وبالنظر إلى الوظيفة الأولى فإن علينا أن لا نفكر أساسا بخرق تقاليد التداول السلمي للسلطة والمعروفة عبر التاريخ الحديث، لكن الوظيفة الثانية ونظرا للظروف الخاصة والغريبة التي يعيشها العمل السياسي هنا، تحتم علينا ان نقوم بوضع اولويات لحماية المسار الديمقراطي.وعلى أي حال فإن السيد المالكي خرق تقاليد الديمقراطية مرارا وتكرارا، فكيف يأخذ علينا خصومه دعوتنا إلى خرق تقليد واحد فقط، مع إننا نهدف إلى كبح جماح إنكاره المتواصل لدور البرلمان، وإصراره المتزايد على قضم الدولة، وانهماكه المتعاظم في عدم الاعتراف بأهمية مبدأ التعدد السياسي، فضلا عن أخطاء كثيرة يقوم بتكرارها بفضل طاقم استشاري غير طموح وضعيف التأهيل ومحصور بفئة ضيقة من المقربين حوله؟إن أنصار رئيس الحكومة يدافعون عن كل المخالفات التي قاموا بها لقواعد الديمقراطية، بحجة مصلحة الأمة والوطن، لكنهم يطالبون معارضي المالكي بأن يكونوا في قمة الديمقراطيات العريقة ويتجنبوا تحديد ولايته لدورتين.يمكن للسيد المالكي ان ينفق المليارات خارج قانون الموازنة، ويمكنه ان يحتكر المناصب الأمنية خارج قواعد اللعبة البرلمانية، وفي وسعه ان يمنع قناة العراقية من تغطية اجتماعي أربيل والنجف، ومن حقه أن يستخدم توقيتات القرار الحكومي لزيادة شعبيته أو خفض شعبية خصومه، ولا غبار عليه ان هو لجأ الى خصومة مع سوريا لتلهية الجمهور ثم صالحها لضمان ولايته الثانية، ولا جناح عليه اذا قام بالتغطية على فاسدين من بطانته، ولا بأس ان يأمر الجيش بضرب المتظاهرين، وأن يسكت عن حزبه الحاكم في المحافظات وهو يخرق متطلبات الحرية العامة والخاصة.. من حقه ايضا ان يرفض الحوار مع شركائه ويجلس متجهم الوجه في استعراض الجيش، بمفرده، متوعدا بـ"إجراء اللازم" مع كل الخصوم، ومنكرا أن شرطته تضرب الصحفيين، ومنكرا أيضا ان مكتبه يخفي نفقاته للأعوام الستة الماضية عن اعضاء البرلمان، بحجة عطل في الحواسيب!من حق المالكي ان يخرق الديمقراطية ويفعل عشرة أضعاف ما ذكرته في النقاط السابقة، لكن انصاره يعتقدون انه ليس من حق خصومه ان يشعروا بأن مبدأ التعددية السياسية بات في خطر، وان الحاكم العراقي سواء كان المالكي أم غيره، بحاجة الى قاعدة خاصة قد لا تعرفها الديمقراطيات الأخرى، لكنها ستكون كفيلة بوضع ضمانة ما، للإبقاء على التعدد السياسي ومنع ظهور شخص يتفرد بكل شيء.الديمقراطية الفتية في العراق تحتاج إلى الالتزام بقواعد تداول السلطة المعروفة ضمن التجارب العريقة. لكن تجربتنا بحاجة إلى قواعد خاصة تقوم بحمايتها من احتمالات نسف كل شيء. وهناك شريحة واسعة من العراقيين اليوم، يعتقدون أن بقاء السلطان طويلا في منصبه يزيد من اخطاء ويعاظم من مشاكله ويصيبه بعدم الاستقرار النفسي. ويعتقدون ايضا ان تحديد ولاية رئيس الحكومة، من شأنه أن يجبر الائتلاف الفائز، بتغيير طاقم المستشارين الذي بقي 7 أعوام في السلطة دون منجز، وبتغيير فريق السلطان الذي احتكر كل شيء سنوات عديدة دون منجز، وبالإنصات إلى البرلمان وعدم محاولة إلغاء دوره، فضلا عن احترام استقلالية القضاء، أي أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تغيير الوجوه.كل ما حصل جعلنا نشعر أن استمرار السلطان في سلطنته دورة ثالثة، سيجعل من العراق حكما مستبدا في لبوس انتخابي واقتراعي. ولحماية جزء من مكاسب التعدد السياسي والدمقرطة، في وسعنا اجتراح تكتيك، يشبه تكتيكات المراحل الانتقالية. ومازلنا ولا شك في مرحلة انتقالية، بلا امن ولا كهرباء ولا خروج كامل من الفصل السابع، ولا شوارع نظيفة ولا قانون احزاب... الخ. ويجوز في المراحل الانتقالية ما لا يجوز في غيرها. حددوا ولاية السلطان يرحمكم الله.
عالم آخر :دورتان للسلطان والمسوغ انتقالي
نشر في: 8 يوليو, 2012: 08:48 م