علي حسين من هذا المكان انتقدت العديد من السياسيين ووجهت أقسى العبارات مرارا وتكرارا للحكومة بسبب مئات العثرات والأخطاء.. ولكني اليوم ومن هذا المكان أيضا أوجه التحية إلى احد وزراء الحكومة واعني به المهندس عادل مهودر وزير البلديات على قراره الشجاع بالمطالبة بإلغاء وزارته وتحويل اختصاصاتها إلى مجالس المحافظات.
أقول قرار شجاع لأن المتابع للوضع العراقي يجد أن جميع المختلفين يجمعهم حلم واحد هو الحصول على كرسي الوزارة.. حتى وان اختلفوا على كيفية إدارة هذا الكرسي، ولو أن هناك أمرا واحدا اتفقت عليه جميع القوى السياسية في العراق منذ 2003 وحتى الآن هو سعيها للحصول على اكبر قدر من المناصب، ورأينا كيف ان السيد المالكي خاض حربين عالميتين من اجل الاستحواذ على صولجان الحكم، وكيف سعى البعض من المتنفذين من تحول المعركة من أجل بناء البلد وإصلاح الفساد السياسي إلى معركة بين الكفر والإيمان، أو بين الوطنية والعمالة. هذه ليست المرة الأولى التي يفاجئنا وزير البلديات بموقف وطني واضح.. فقد كان الوحيد الذي ابتسم حين سمع بمهلة المئة يوم التي منحها المالكي لنفسه ولحكومته لإصلاح أحوال البلاد، وقتها خرج علينا الوزير بتصريح واضح ودقيق قال فيه إن مهلة المئة يوم التي وعد بها رئيس الوزراء هي ضرب من الخيال.وكان الوزير قد اكتشف بنفسه خلال جولاته الميدانية في المحافظات حجم الخراب الذي حل بالبلاد.ليس سرا أن الفساد يعشش في دهاليز معظم الوزارات، والسبب ليس فقط تقصير بعض المسؤولين، لكنه باختصار المناخ الذي يشجع على الفساد ويعاقب من يريد الخروج على منظومة الإفساد المنظمة في معظم القطاعات.ليس سرا أيضا أن هناك تحالفا غير مقدس بين مافيات داخل معظم الوزارات وعدد من السياسيين الكبار، ومن لا يصدق عليه مراجعة سر الرعب الذي يصيب هؤلاء السياسيين حين يحاول البعض فتح ملفات المشاريع الوهمية وهذا الملف تحديدا يمثل التحدي الأكبر على مدى جدية القضاء ودوائر النزاهة في مطاردة "طلائع الفساد" في معظم مؤسسات الدولة وفك عرى هذا التحالف الشيطاني الذي لم يشبع بعد من الأموال المنهوبة.يدرك المواطن البسيط جيدا أن أموال المشاريع ذهبت إلى مجموعة من اللصوص، والتنمية التي كان يفترض أن تذهب إلى مستحقيها من الناس ذهبت عوائدها إلى أمراء الطوائف، ولا يخفى على المتابع للشأن العراقي أن يعرف أن هناك عشرات المشاكل التي تعاني منها مدن الجنوب والوسط وسائر مدن العراق، وهي مشاكل يعرفها الداني والقاصي، والأزمة في المحافظات ليست باستبدال مجالس مسؤوليها وإنما هي بتراكم سياسات فاشلة منذ سنوات جعلت هذه المحافظات تتحول إلى بيئة فقيرة طاردة لناسها، لا أمل لأهلها فيها سوى المجهول أو هجرة تقذف بالشباب إلى مدن غريبة أو الفرار بحثا عن فرصة عمل، وهذا أضعف الإيمان.والحكومة من جانبها أدمنت منذ زمن بعيد علاج كثير من المشكلات الخطيرة بالخطب والشعارات، وفي بعض الأحوال تترك المشكلات كما هي، على أمل أن يتكفل القدر أو الزمن بحلها. وهي طريقة تقودنا كل يوم إلى كوارث لا يعلمها إلا الله، والحكومة تواصل الضحك على الناس عندما ترفع شعار كل شيء من اجل المواطن وتمارس سياسة التخفي وتقسم يوميا بأغلظ الأيمان: أن الناس لا تعاني من المشاكل وإنما تعاني من بحبوحة العيش على حد تعبير السيد محافظ بغداد.القرار الشجاع لوزير البلديات سيجعله حتما هدفا لحرب يقودها مسؤولون منتفعون من الوضع القائم، وسيسعى البعض لاتهامه بالجنون، فالسياسيون يقتل بعضهم البعض من اجل المناصب، فما بالك بوزير يكره الكرسي، وسينصحه بعض دهاقنة السياسة أن من الأفضل له أن يجلس في مكتبه، ويتوقف عن مفاجأة القتل السياسية، فالسياسيون لن يغيروا طريقتهم، وهم مصرون على التعامل مع العراقيين باعتبارهم شيئا اقرب إلى الفلكلور لا تهتم بهم إلا في مواسم الانتخابات.
العمود الثامن:تحية للوزير مهودر
نشر في: 9 يوليو, 2012: 06:06 م