اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الشعر والسياسة

الشعر والسياسة

نشر في: 9 يوليو, 2012: 06:17 م

(2-5)ياسين طه حافظ ثمة ملاحظة يحتاج لها الدرس هي أن أكثـر الشعر السياسي الانجليزي من مارفيل، ميلتون، بليك، وردزورث، شيللي، كلوف، واودن المبكر، جمهوري النزعة بينما اكثـر الشعر العربي والعراقي وابتداء من امرئ القيس حتى العقدين الاولين من القرن العشرين هو ملكي النزعة. هو سياسي ذو نزوع تحرري لكنه لم يتجاوز الظلال الملكية.
 موجز، المطلوب فيه هو ان تكون الظلال الملكية افضل، اكثـر رغدا. وهذا الموقف ليس تجاه الحاكم حسب ولكنه المنظور الاجتماعي السائد في الحياة. هو لا يتجاوز الاحلام بالمساواة والعدالة الاجتماعية وحرية الفكر. لكن بعد الحرب الثانية، في العراق وفي شرق آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، ارتبطت القصيدة السياسية بالتحرر من الاستعمار مع نزوع اشتراكي مُعْلَن أو مُضْمَر وقد تجلت السياسة بمظهرها التحرري – الديني اولا ثم الوطني القومي ثم بما كان يدعو له الاتحاد السوفيتي من موقف مضاد لقوى الغرب الامبريالية وهنا اتضح اليسار.لكن التحولات الصعبة وقلق العالم صحبهما نزوع واسع للتمرد وللرفضِ، كما الاحباط واللامسؤولية وقد وصَلَنا في السنين الاخيرة هذا المدَّ واتضح هذا النوع بما يمكن ان اسميه بـ"الثورية الفردية" او الرفض والرغبة الساخطة في التغيير. لكن ظل اودن على قناعته. ظل يؤمن بأن الانسان لا التاريخ صاحب القرار: "قد يقول التاريخ للمهزوم وا أسفاه ولكنه لا يستطيع ان يساعده او يغفر له.." ولكي نفهم هذه المرحلة وما بعدها، لا بد لنا من العودة إلى ما قبلها إلى فترة الرمزيين والرومانسيين لنتعرف على "تربية" الفرد "الشعري". فمنذ بودلير والشعراء يشعرون بأنهم منبوذون أو ارستقراطيون، إن لم يكونوا الاثنين معاً. وفي مجتمعات تسيطر عليها القيم والمؤسسات البرجوازية تكون الانكسارات، والحالة هذه، حتمية بسبب "لا أصالة" الروح النضالية فيهم. فهم أصلاً بين الجنون الثوري لبودلير والرفض البوهيمي او الصعلكي لأجيال الضياع السياسي. "وييتس" الارسخ عقلاً وحكمة كان ناطقاً باسم كل من الارستقراطية والفلاحين. ولم تكن الروح القومية الايرلندية وحدها التي احتفى بها ييتس في انتفاضة 1916 ولكن قضية الأستاذ كانت حاضرة ولم يساوم عليها. إذ كتب يقول وهو يتحدث عن الانتفاضة التي يتبناها: ان جمالاً فضيعا يُولد! وقد ظل النزوع الى الكمال عند ييتس اقوى من الثوري وهذه على ما يبدو صفة كل الجماليين الكبار. فـ"خمنييث" الاسباني اعتقد انه دائماً، وفي كل شيء، لا بد من أن ينتهي المرء بالشعر، فهو المعبّر اللامنافس له للارستقراطية.."وهكذا يكون للسياسة اهتمام محدود أو تكون قلقة إذا ما كانت مغرياتهم الشعراء مختلفة عن مغريات الآخرين فيها. ولكنهم عموما ضمن الثورة العامة على حضارة معقدة التنظيم، مُحاصِرة للتطلعات بشكل عام وواسع. الأستاذ "مايكل بولاني" يعلّل تلك الحال المعقدة بـ"التوتر بين شكيّة وضعية وكمالية أخلاقية حديثة في عصرنا" ويتابع: "لقد تفجر الوضع في اتجاهين: واحد نحو الفن والفلسفة، والآخر نحو السياسة. كان الأول حركة باتجاه الفردانية المتطرفة والثاني على النقيض ، باتجاه الاستبدادية الشمولية الحدية. وقد تبدو الحركتان في حالة تناقض تام، لكنهما، على كل حال، ليستا سوى حلول بديلة للمعادلة التي استلزمت الإشباع المشترك لإيمان بكمالٍ أخلاقي وافكار مقابلة للحوافز الأخلاقية".اظن ان هذا التحليل حسم اللغط الكثير المصطنع غالباً للنظر الى الموقف الثوري التقدمي – السياسي والنوازع الفردية مختلفة و"مقنَّعة" الاسباب والتي ستتكشف لنا من بعد.اطلت الكلام في هذه المسألة لانها ستولد من بعد النزعة الفردية، والتشبّث القوي بالفن، وهذه المحبة الفائقة للفن القت اللوم على السياسة لإضرارها بالشعر مما دعا لتأكيد الذات ضد الحشد او القطيع، كرد فعل، او كقوة مضادة تواجه الدعوة لحشد طاقات الجماهير والعمل الجماعي للنضال بالنسبة لشعوب العالم الثالث، ولبناء الاشتراكية في دول الاتحاد السوفيتي. الحرب الباردة لها نظرياتها ومُنظرّوها ومدارسها الفنية، مثلما لها مدارسها الفكرية. وهذه الحال أوجدت شعراً سياسياً مختلفاً في الغرب، وأوجدت شعراء حداثة يرفضون الخدمات الايديولوجية رَفْضَهم للخدمة الالزامية. وهذه مهّدت للتحولات التي حصلت لشعراء هذه الشعوب الحداثيين، في رفض احزابهم وافكارهم الاولى وتحوّلهم الى اليمين او الى اليسار المشوب. وقد مرّ بطريق الهروب، أو الاحباط، هذا ، من شعرائنا، السياب والبياتي وبعض من شعراء الستينيات وانتهينا أخيراً عند الشاعر سعدي يوسف كأحد المحبطين في الثورة وفي العمل الثوري. مثل هذه الانتقالات الى الظلال الآمنة او المغرية امتدت لتشمل شعراء جيدين وكتاباً كباراً في افريقيا وآسيا والعديد من شعراء المنظومة الاشتراكية ومن الصين واليابان. في جميع الاحوال نحن لا ننفي الخيبة في الثورة كواحد من الاسباب، ابداً، هذا سبب، ولكنه ليس كل الاسباب. الشاعر يأسى ويوجعه الحال السيئ ويحزنه موت الحلم هذا الشاعر الصيني العظيم آي كوانج يقول: آه ايتها الصين،هل يمكن في الليلة التي لا مصباح فيه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram