علي حسين سيكون الأمر أقرب إلى النكتة لو قرر المقربون من المالكي الاحتفال بانتصار رئيس الوزراء بالمنازلة العظيمة ضد خصومه .. ففي خبر مثير للدهشة تنشره المدى اليوم يقول " "أبلغت مصادر واسعة الاطلاع "المدى" أن مجموعة من صقور "حزب الدعوة" الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي يحضرون منذ اليومين الماضيين إلى احتفالات تشارك
فيها أجهزة الجيش والشرطة ، وتطلق خلالها العيارات النارية في أنحاء العراق ، على خلفية ما اعتبروه "انتصار المالكي وفشل جهود سحب الثقة منه " إذن نحن أمام يوم تاريخي ربما سيطلق عليه اسم "أم المنازلات" تيمنا بالمنازلة الكبرى التي أتحفنا بها من قبل القائد الضرورة، طبعا سيخرج علينا إعلام دولة القانون ليؤكد ضعف القوى السياسية الأخرى وتهافتها وعدم تجاوب العراقيين معهما بسبب شعبية السيد رئيس الوزراء ، وسيكون الأمر اقرب إلى النكتة السمجة إذا تصور المقربون أن سبب هذه الاحتفالات الجماهيرية العفوية يكمن في المنجزات العظيمة التي قدمها المالكي وحكومته لهذا الشعب، وفي مساحة الأمان والرفاهية والازدهار التي توفرت خلال السنوات الماضية لعموم الشعب . المثير في الأمر، أن يتزامن تقرير تصدره مؤسسة عالمية حول أوضاع العراق مع التحضيرات التي يجريها أشاوس دولة القانون لاحتفالات أم المنازلات ، فقد نشرت مؤسسة دولية – معهد غلوب للصحة البدنية – استطلاعا يضع العراق في خانة الدول الأسوأ صحيا في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. قد نختلف أو نتفق مع صقور دولة القانون ، لكن علينا أن نعترف بأن البعض منهم يسعى مشكورا لتبديد حالة الملل لدينا من خلال إتحافنا بعروض لا تخلو من المتعة ، إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس من تقديم كل ما هو غريب ومثير، والدليل على ذلك أنهم لا يزالون مصرين على أن المالكي وحده القادر على إنقاذ العراقيين ، وأن كل القوى السياسية عليها أن ترضى بدور الكومبارس. طبعا في خضم التحضير للاحتفالات الكبرى لم ينس النائب محمد الصيهود أن يتحدى الجميع ويحذرهم من أن مجرد التفكير باستجواب المالكي في البرلمان سيصيب العراق بزلزال لن يخرج احد منه سالما، وأن على الذين يصرون على محاسبة الحكومة أن يتهيأوا لما هو أسوأ .. ولم ينس الصيهود أن يذكرنا بأن "استهداف شخص رئيس الوزراء أصبح واضحاً والمطالبين بحجب الثقة متآمرون على المالكي لأنه يمثل مشروعاً وطنياً حافظ على وحدة العراق وثرواته ورسخ مفاهيم الديمقراطية والمساواة بالحقوق والواجبات".في ضوء هذه التصريحات وغيرها فإننا أمام سياسيين يمارسون عملية كذب منظمة وممنهجة، تؤمن بأن تكرار الأكاذيب بدأب وإصرار ومن دون توقف سيجعل الناس يصدقونها في النهاية.الشائع أن كثيرا من سياسيينا اليوم مقتنعون بأن الكذب جزء لا يتجزأ من الممارسة السياسية، لأنهم يعتقدون أن الناس تنسى بسرعة، وعندما تكتشف الكذبة، يسارعون إلى إلقاء كذبة جديدة وهكذا. ما يشاهده الناس من تصريحات الساسة هو كذب لكنه بطريقة فجة لا تراعي حتى أصول وفن الكذب والتلفيق وتزوير الحقائق.الناس تسمع كل يوم خطب السادة المقربين من أن العراق أصبح بفضل المالكي جنة المنطقة التي تهب رياحها على دول العالم؟ أين هي الجنة، وأين هي الرياح؟ لم يشاهد العراقيون حتى هذه اللحظة سوى الخراب. بناء الدولة لا يأتي بالشعارات ولا بالخطب "الصيهودية" فهذه أدوات تستخدم لإشاعة الفساد والخراب، وعلى كل شبر من أرض العراق شواهد لعبثية العملية السياسية. من حق أعضاء جمعية "أم المنازلات" أن يعتنقوا ما يشاؤون من أفكار، ومن حقهم أن يتحدثوا كما يريدون، ولكن عليهم أن يخبرونا بالانجازات العظيمة التي تحققت، وعن البرنامج الطموح الذي نفذته حكومة المالكي، لكن قبل ذلك عليهم أن يدركوا أن الناس تريد رئيسا للوزراء من البشر تحاسبه حين يخطئ، وتطالب باستقالته عندما يتقاعس عن أداء واجبه.. فقد انتهى عصر الزعماء الذين يستمدون شرعيتهم من السماء. اليوم نجد أنفسنا أمام سيل عارم من المقربين وهم يعلنون بصوت واضح أن الخدمات والأمن وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة متوقفة على ورقة اعتذار يكتبها العراقيون جميعا بدمائهم.
العمود الثامن:"أم المنازلات"
نشر في: 9 يوليو, 2012: 06:53 م