هاشم العقابي أكثر من خمسة أعوام مرّت لم يصادف أن حضرت فيها مناسبة مفرحة. "شحيحة أفراحنا ودكانها امعزل" كما يقول عريان. لذا كنت في عطش شديد، لأحضر حفلة عرس عراقي. ولأن تحقيق الأماني شح هو الآخر مثل الأفراح، تلقيت دعوة زواج إحدى قريباتي بفرح غامر. كتبت للعروس: أشكرك يا ليلى لأنك منحتني فرصة للفرح.
العروسة هي ليلى ابنة أخي بالعشيرة، فنانة تشكيلية تمتلك ذائقة رائعة. ثم أن من طبعها، حتى لو كانت في أشد ظروفها ظلمة، تطش الفرح أينما حلت. فكيف سيكون عرسها إذن؟ عرس الأعراس. وصلت القاعة فامتلأت روحي ببهجة كنت قد نسيت طعمها منذ زمن بعيد.بعد أقل من ساعة دخلت عروسنا مرتدية فستان العرس فعمت الفرحة كل المكان. إن العروس، ليست كإنسانة فقط بل حتى كفكرة، أيضا، شيء يعني الفرح بمعنى الفرح ولا غيره. وبغمرة الدهشة بجمال العروس وألق أناقة العراقيات الحاضرات وجمالهن، فوجئنا بعازف كمان مقتدر يعزف وهو ماشياً على قدميه متنقلا بين الحاضرين. اختار أحلى ما عند عبدالحليم حافظ من أغان. وحين وصل إلى أغنية "جانا الهوى" شعرت بأن وزني قد قل لحد أن طرت في الهواء وحططت في بغداد. ربما شعر العازف بأني روحي قد شفت لذا توقف كثيرا عند الطاولة التي كنت أجلس عليها مع العائلة فغنينا معه طويلا.ومفاجأة أخرى حين طل علينا الصديق الفنان إسماعيل فاضل فسحر الجو بأغانيه العراقية الفلكلورية. وفي اللحظة التي وصل بها إلى أغنية "لا خبر"، نهضت مجموعة من الفتيات ليتجمعن وسط القاعة استعداداً لمشاركة عروسهن الفرحة. وما الذي يعبرن به عن فرحتهن غير الرقص الذي هو تظاهرة حقيقية للفرح؟ وما أكرم العراقيات في مثل هذه اللحظات.كانت أخت العروس تتقدم جمع الفتيات فتقدم أخوها صوبها ليشاركها الرقصة. ما أجملهما. هالة وأحمد. أخ عراقي يرقص في حفل زواج أخته. كم أنت جميل ومتحضر يا أحمد. ذكرتني وقفته بجاري العراقي الذي كان اسمه أحمد، أيضا، وكيف عندما تزوجت أخته حزن وذهب أسبوعا عند أعمامه بالعمارة خجلا وكأنه يشعر بالعار.قررت أن شارك أحمد الرقص حتى لا يكون هو الرجل الوحيد بين جمع النساء، وإذا به ينسحب وجمع الفتيات يتفرق! ما الذي حدث؟ لقد منعوهم من الرقص؟ ومن منعهم؟ جاء الجواب همسا: أن احد "المتدينين" الحاضرين قال هذا حرام ولا يجوز! انكسرت فرحة صديقات العروس وعلا خيط من الحزن وجه أخيها. ثم جاءت "فتوى" تقول: إن الرجال لا يمكن السماح لهم بالرقص مطلقا. أما النساء فيمكنهن الرقص في زاوية عند طرف الحفل وليس في وسطه. وفعلا تجمعن للرقص في زواية ضيقة. وحين تقدم العريس مع عروسته ليشكرا الحاضرين على الحضور، عاتبته عن سر إطفاء تنكيد فرحتنا خاصة وهو غير إسلامي كما أعرفه. حاول أن يبرر، فطلبت منه أن يسأل صاحب الفتوى إن كان مبتغاه إرضاء الله كما يدعي: ها نحن عباد الله نرى نساءنا ترقص في تلك الزاوية، فهل يعقل أن لا يراهن الله هناك، وسيراهن فقط لو رقصن وسط الحفل؟ وقبل أن يجبيني همست زوجتني بأذني: اشلون بيك؟ وإلى متى يظل لسانك متبري منك؟ إلى أن أموت يا أم أمجد.
سلاما ياعراق :المنكِّــدون
نشر في: 9 يوليو, 2012: 07:39 م