حازم مبيضينإذا صحت الأنباء عن تقدم التيار الليبرالي في الانتخابات الليبية, ونتمنى أن تكون صحيحة, فإن هذه الجولة الانتخابية تستحق لقب التاريخية, ليس لكونها الأولى في بلد عمر المختار, منذ ما يقارب النصف قرن, ولا لأنها كانت تتويجاً للثورة التي أطاحت الدكتاتورية, وإنما لأنها كسرت موجات المد الإسلاموي,
الذي اجتاح العالم العربي, بعد الربيع الذي أزهر على يد الشباب والقوى الاجتماعية, وأتت قوى الإسلام السياسي متأخرةً إلى الساحات, بهدف قطف تلك الأزهار المروية بالدم, لتزين بها انتصارات لم تشارك في صنعها بشكل جذري.أقرّ الإسلاميون بإحراز الليبراليين تقدماً واضحاً, لكنهم لم يفقدوا الأمل, ذلك أن عمليات الفرز الأولى كانت مخصصةً للوائح الحزبية, التي تتنافس على ثمانين مقعداً من أصل مئتين, بينما يتبقى 120 مقعداً للمتنافسين الأفراد, والمأمول هنا أن تكون النتائج في الاتجاه ذاته, ذلك أن المرشحين الأفراد مدعومون في الغالب من أحزاب. غير أن ما يسجل للإسلاميين الليبيين, هو قبولهم بنتائج صناديق الاقتراع, حتى وإن لم تكن في صالحهم, على عكس ما جرى في الانتخابات الرئاسية في مصر, حين احتل الإخوان ميدان التحرير, مستبقين النتيجة النهائية, ومؤكدين ضرورة " فوز " مرشحهم, وهذا ما كان.ليست هذه النتائج, إن كانت صحيحة, تعبيراً عن انحسار الدافع الديني عند الشعب الليبي, كما أنها لن تكون إلا دليلاً على وعي سياسي متقدم, نما بسرعة هائلة, في الفترة الفاصلة بين سقوط نظام القذافي, والعرس الديمقراطي, المتوج بانتخابات أقر المراقبون الدوليون المحايدون بنزاهتها, رغم الوضع الأمني المتردي في بعض أنحاء البلاد, ورغم عدم الاستقرار على شكل ليبيا ما بعد خزعبلات الكتاب الأخضر, والثورة العالمية, واللجان الشعبية المثيرة للسخرية والغثيان في آن معاً, ولعل الانفلات الجزئي لحبل الأمن, كان التجربة التي دفعت الشعب الليبي إلى التمسك بالديمقراطية الوليدة, وعدم الانتقال من دكتاتورية ملك الملوك, إلى دكتاتورية المعممين, التي لاسبيل لمناقشتها, وهي تؤكد تنفيذ أحكام السماء, غير القابلة للمراجعة, أو الاعتراض. أول استثناء في دول الربيع العربي، خطوة حاسمة, انتصار للديمقراطية, سمّها ما شئت, لكن الانتخابات الليبية في حقيقتها, هي بوابة العبور من مرحلة الضياع, التي قادها القذافي وأبناؤه طوال أربعين عاماً, إلى مرحلة حكم الشعب لنفسه, من خلال التنافس الديمقراطي, من مرحلة استئثار القائد بثروات الشعب الليبي, إلى مرحلة التوزيع العادل لها على المواطنين, من خلال برامج تنموية تحتاجه إليها البلاد, بعد فترة الجمود التي ضربتها في عهد الجماهيرية الخضراء, وهي بوابة العبور إلى مصالحة وطنية شاملة, ولعل أجمل ما فيها استفادتها من تجارب الآخرين وتجاوز تلك التجارب إلى الأفضل, إلى تجربة تستحق أن تكون مثالاً.
في الحدث: هل يكسر الليبيون المدّ الإسلاموي؟
نشر في: 9 يوليو, 2012: 08:32 م