علاء حسن في مقهى شعبي يقع في حي الحرية اخبر رجل أربعيني أصدقاءه من المثقفين بأنه تعلم القراءة والكتابة وأصبح واحدا منهم، فامتلك الحق في الحديث عما يدور في الساحة السياسية وتداعيات نكبة الخامس من حزيران على المشروع القومي النهضوي.
في زمن نظام عارف الثاني عبد الرحمن تم افتتاح عدد من مراكز محو الأمية في مناطق متفرقة من العاصمة، في إطار خطة لمعالجة الظاهرة، فدعت الجهات الرسمية الأميين من الرجال والنساء ومن مختلف الأعمار إلى "الانخراط " في تلك المراكز لتلقي دروس أولية في تعلم القراءة والكتابة، فاستجاب الرجل صديق المثقفين لتلك الدعوة وانخرط كغيره من المنخرطين لمحو أميته ثم يتحول الى "مثقف ثوري" لينضم إلى حلقتهم في "كهوة أبو ستار" . شجع رواد المقهى من المثقفين صديقهم على قراءة الكتب الأدبية والسياسية، وهناك من أبدى رغبته في توفيرها شريطة إعادتها بعد القراءة، لكنه لم يفهم الجدوى من إصرار بعضهم على وضع الكتب في أكياس ورقية، مع توصية بالقراءة بعيدا عن أنظار الآخرين، فأبدى استغرابه من تلك الوصايا، ولاسيما أن الكتب من القطع الصغير أي "الكراكيس" لا تحتوي على الصور، فبادر بتوجيه سؤال إلى احد أصحاب تلك الكراريس عن محتوها، وسر إخفائها، فجاءه الرد بأنها تعبر عن فكر حزب سياسي معارض للسلطة، يطالب بنظام ديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإلغاء التفاوت الطبقي، ومع كل عبارة كان الرجل يسأل "شنو" فرد على محدثه ابني "أني أريد أتعلم قراية وكتابة شنو ديقراطية وانخرطت بمركز محو الأمية حتى اعرف رقم وخط مصلحة نقل الركاب"، وانتهى الحديث بتسليم الكراريس السرية لصاحبها الذي اقتنع بأن صديقه المنخرط بمركز محو الأمية لا يصلح للعمل السياسي مع تشكيك في إجادته القراءة والكتابة.تداعيات نكبة حزيران انتقلت إلى مقهى أبو ستار، ونتيجة التأثر بالأزمة والإحباط من تحقيق انتصار عسكري إسرائيلي على العرب، حصل عزوف عن لعب الدومنة بأنواعها الطيرة والازنيف والطاولي العدل والمحبوس ، وشكل الرواد حلقات نقاشية للوقوف على أسباب النكبة، ودور الجماهير في مواجهة تداعياتها المستقبلية، صديق المثقفين استخدم أدواته المعرفية للإدلاء بآرائه، لكنه لم يقنع حتى صاحب المقهى أبو ستار بطروحاته، عندما طالب بجمع تبرعات من الشعب لشراء سلاح متطور للجيوش العربية، لتكون قادرة على دحر العدوان الإسرائيلي بمواجهة عسكرية مصيرية تمحو الكيان الصهيوني من الخريطة. آراء الرجل أثارت تساؤلات الحاضرين وخاصة لدى أصدقائه المثقفين فطلبوا منه توضيح نظريته الستراتيجية العسكرية لتحقيق الانتصار العربي، لأنه لا يعلم بأن تسليح الجيوش من مسؤوليات الدول وتتم عبر اتفاقيات بعد مباحثات طويلة وعريضة، والتبرعات الشعبية ليس بإمكانها شراء دبابة واحدة، لكنه إصر على فرض رأيه، واتهم معارضيه بأنهم يروجون لأفكار صهيونية، واثر ذلك طلب احدهم من صاحب النظرية الستراتيجية العسكرية أن يقرأ لوحة كبيرة كانت بجوار المقهى، فامتعض الرجل من هذا التحدي فغادر المكان لان الحاضرين لم يتخلصوا من آثار النكبة، لأنهم لم ينخرطوا بمراكز محو الأمية، ليتعلموا بعد التعاطي مع أم الأزمات
نص ردن: أم الأزمات
نشر في: 9 يوليو, 2012: 08:43 م