عدنان حسينكلما تناول اثنان أو أكثر من كُتّاب "المدى" في موضوع نفسه وصلتنا ملاحظات تشير إلى اعتقاد أصحابها بان الأمر يدخل في إطار "حملة منظمة" تديرها الإدارة العليا للصحيفة والمؤسسة، فقد تعوّد معظمنا على صحافة الاتجاه الواحد والرأي الواحد والحزب الواحد التي يخضع كل ما ينشر فيها للرقابة والتوجيه والتضبيط سلفاً.
إنها محض صدفة أن يكتب اثنان أو أكثر في الموضوع نفسه، وعادة ما يحدث هذا مع قضايا ومواقف لافتة يجد أكثر من كاتب أن له رأياً فيها ولا مناص من التعبير عنه. وفي الغالب فان الكتّاب لا يعرفون إنهم كتبوا في الموضوع نفسه إلا في اليوم التالي عندما يتصفحون الصحيفة، ونادراً ما يعرف بعضهم في مساء يوم الكتابة السابق ليوم النشر.يومي السبت والأحد الماضيين علّق الزميلان علي حسين وأحمد عبد الحسين على اللقاء الذي تم الخميس بين رئيس الوزراء ووفد من قيادة الحزب الشيوعي برئاسة سكرتير اللجنة المركزية. كما نشر القسم السياسي تقريراً تضمن آراء شخصيات بشأن اللقاء.لم يكن اللقاء حدثاً عابراً لكي يتغافل عنه القسم السياسي أو لا يكترث به كتاب الأعمدة. انه حدث كبير أن يلتقي رئيس الوزراء مع قيادة الحزب الشيوعي في هذا الوقت بالذات. فرئيس الوزراء يواجه منذ فترة أخطر أزمة سياسية على مدى ست سنوات، وهي أزمة كان يمكن أن تنتهي باستقالته أو سحب الثقة عنه، وهو احتمال لم يتلاش تماماً بعد فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث غداً أو بعد شهر أو ستة أشهر.واللقاء جرى على نحو مفاجئ لم تسبقه أية إشارة إلى أن العلاقات المتصدّعة بين رئيس الوزراء وحزبه (الدعوة الإسلامية) من جهة والحزب الشيوعي من الجهة الأخرى قد ترممت، فمنذ سنة وبضعة أشهر صوّب رئيس الوزراء نيران مدفعيته الثقيلة باتجاه الحزب الشيوعي على نحو غير مبرر. فقط لأن الحزب شارك في تظاهرات 25 شباط السلمية، مع أن وفداً من قيادة الحزب برئاسة سكرتير اللجنة المركزية نفسه قد زار المالكي عشية التظاهرات وأبلغه بان الحزب يدعم دعوة الشباب إلى التظاهر، بل تمنى على رئيس الوزراء أن يوجّه حزبه هو أيضا للمشاركة في التظاهرات التي تبنت شعارات طالما وعد رئيس الوزراء بتحقيقها.أكثر من هذا أن رئيس الوزراء اختار منذ أسابيع مناسبة استشهاد آية الله محمد باقر الصدر ليفاخر بان حزبه (الدعوة الإسلامية) قد انتصر على التيارات الماركسية والعلمانية والإلحادية (كان ذلك كلاماً غير صادق فضلاً عن انه فجّ، فالماركسية لم تزل قائمة في مختلف القارات والعلمانية تطوّق العالم كله والإلحاد يتبارى مع الإيمان في كل مكان حتى في العراق). هذا كله جعل من اللقاء بين رئيس الوزراء ووفد الحزب الشيوعي حدثاً لافتاً، فتناولته "المدى" في تقرير، وعلّق عليه اثنان من كتاب الرأي المعروفين بمحبتهم للحزب الشيوعي من دون طلب من أحد أو تنسيق في ما بينهما.ما فعلته "المدى" كان عملاً صحفياً مهنياً، وما عبّر عنه الزميلان علي حسين وأحمد عبد الحسين كان في شكله ومضمونه يعكس المحبة والتقدير لأعرق الأحزاب الوطنية، وخشيتنا نحن الوطنيين العراقيين، وبيننا الشيوعيون، وقلقنا على حزب الوطنية العراقية من أن يرتكب خطأ آخر من نمط أخطائه التاريخية التي انتقدها بنفسه. فالسيد نوري المالكي لم يعتذر عن سلوكه غير المبرر تجاه الحزب وعن تجاوزه على الدستور في هذا المجال ومجالات أخرى، فضلاً عن أن الثقة به مطعون بها من عدد غير قليل من الأحزاب والحركات والشخصيات الوطنية.رسالة كتاب "المدى" التي عبّرت عن الرأي العام الوطني، بما فيه الشيوعي، كانت ببساطة: لا نريد لحزبنا الذي نبني عليه الآمال لتشكيل تيار وطني ديمقراطي جماهيري عابر للقومية والدين والطائفية يساهم في تقويم العملية السياسية المنحدرة بالبلاد نحو الخراب الشامل والتخلف الدائم، أن يتوهم في إمكانية بناء دولة ديمقراطية مع حزب يقوم على الدين والطائفة، مثلما توهم ذات يوم بإمكانية بناء الاشتراكية مع صدام حسين.
شناشيل: ليست حملة .. ولا منظمة
نشر في: 9 يوليو, 2012: 09:00 م