احمد المهنا كم سياسي وجد في التاريخ تستطيع أن تقول عنه أنه ساهم في جعل بلده أو العالم مكانا أفضل؟ كم عدد السياسيين الذين شعرت بسببهم أن الحياة تستحق أن تعاش؟ كم منهم من أمتع؟ أفاد؟ وكم منهم من جعل حياته مثلا ملهما لإمكانية الكمال الانساني مثل غاندي ومانديلا؟
المؤرخون على أن القرن العشرين طبع بسمتين اساسيتين، هما بلوغ العنف اقصى درجاته، واصابة العلوم والتكنولوجيا تقدما أكثر من الذي أحرزته طوال تاريخها. فانظروا الفرق الهائل بين نتائج أعمال الساسة، وبين نتائج أعمال العلماء، بين العنف الذي تنتجه السياسة، وبين المعرفة والاختراعات التي هي ثمار العلوم. السمة الثالثة للقرن العشرين في اعتقادي هي انتاجه مثلين ساميين في السياسة، هما غادي ومانديلا. سياسيان طيبان وعظيمان في آن خلال قرن واحد؟ ذلك كرم هائل حقا. فمن قبيل الاستثناء ان يجود قرن بواحد مثلهما فما بلك باثنين مرة واحدة؟ان السياسي مخلوق عادي يحترف مهنة استثنائية هي السلطة. وهو مثل كل انسان يسعى الى تأمين نفسه بالمال او المجد اللامجيد. أو وهم المجد الذي نحلم به نحن الناس العاديين. ذلك أن المجد المجيد احتكار للعباقرة والعمالقة في الفنون والآداب والفكر والعلوم. فهؤلاء هم الخالدون على مسرح الانسانية. أما السياسي فانه موظف يتبختر ساعة على المسرح ثم لا يسمعه أحد. السياسي مخلوق عادي ولكن السلطة مهنة استثنائية لأن شرها أو خيرها كبير جدا. فهي تؤثر بالإيجاب أو السلب على حياة أو مصائر اعداد كبيرة من الناس، وأحيانا العالم كله. واذا جمعت حصيلة التاريخ من عمل السياسة لوجدتها موسوعة من الحروب والإستبداد والفساد. هذه هي أهم صنائع الساسة في التاريخ.واذا ما ترتبت على هذه الحصيلة المأساوية نتائج طيبة فانها غالبا ما تتحقق عن اسباب خارجة عن ارادة السياسة نفسها. فمثلا عندما انتقل الانسان من طور القرية الى طور المدينة، وظهر الملك بدل شيخ القرية، أصبحت سلطته وحريته ورفاهيته انموذجا يحتذيه سائر المجتمع. فالفرص المتاحة شكلت قوة ثورية، علمت الناس قيمة الحرية والرفاهية، لأن الملك - عكس شيخ القرية – يستطيع ان يفعل ما يشاء. فلما أدرك بعض السكان ذلك تزايد عدد الذين يحلمون منهم بفرص مقاربة أو مماثلة، ونشبت الثورات لتوسيع فرصهم في الحرية والرفاهية. ان قانون الطبيعة القاضي برد فعل لكل فعل، يسري مفعوله أيضا في عالم الانسان. إنك تكره الجلاد لأنك ضحية بين يديه. وهذا الكره يجعلك تتطلع الى عالم أقل استبدادا وأكثر حرية. الجلاد لم يعطك دروسا في الحرية، وانما أهانك وعذبك. ولكن الإهانة والعذاب زرعا فيك الأشواق الى الكرامة. ومع تراكم هذا الزرع لابد من نضج ثماره ومن حصاد هذه الثمار وتذوقها. السياسة أو السلطة مهنة استثنائية في أخطارها. ولا يمكن ائتمان انسان فرد وحده عليها. ولذلك حاول افلاطون تقييدها بحصر السلطة بالفيلسوف وفشل. فالفلسفة شغلة أخرى تماما. وجربت الديمقراطية تكبيل السلطة بعدد هائل من القيود ونجحت. فهذه القيود هي مؤسسات ذات قدرة على مراقبة ومحاسبة الحكومات. ومن دون هذه المؤسسات تصبح السلطة سائبة. والسلطة السائبة تعلم الطغيان.
أحاديث شفوية:السلطة السائبة تعلم الطغيان
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:00 م