ناظم محمد العبيدي لكل حقبة تاريخية فاعلون يشكلون ملامحها السياسية والاقتصادية والثقافية، من خلال هؤلاء الذين يتصدرون المناصب ويملكون صنع القرارات التاريخية ودراسة شخصياتهم وأفعالهم يمكننا التنبؤ بمستقبل أي بلد ، فهل نملك مثل هؤلاء السياسيين الذين يقودون العراق اليوم ؟ هل يتمتع سياسيونا بمثل هذه القدرات التي يمكن أن يطمئن لها أصحاب العقول المستنيرة ويشعرون بالطمأنينة على أن الغد سيكون أفضل ؟
أي سمة شخصية لدى الإنسان العادي تنعكس سلباً أو إيجاباً على المقربين منه ، لهذا فإن الأسرة هي المكان الأول الذي تظهر فيه انفعالات الشخصية وسلوكها الاجتماعي ، ومهما فعل مثل هذا الفرد سيظل ضرره محصوراً في دائرة وجوده الأسري والاجتماعي ، وكلما اتسعت مساحة الفعل لدى الإنسان يزداد معها حجم التأثير ، ويمكن لأستاذ يمارس التعليم في مدرسة التسبب بتدمير مستقبل الكثير من الطلاب ، ومثله الطبيب الذي يخرج على أخلاق المهنة إما بجهله العلمي الأمر الذي يؤدي إلى كوارث صحية على الناس أو الأخلاقي حين يتخلى عن شرف المهنة ، وهكذا في جميع أنشطة الناس داخل محيطهم الاجتماعي ، أما السياسي الذي يتولى مسؤولية إدارة البلد وتمثيل الشعب سواء عن طريق الانتخاب أو التسلق بأية طريقة كانت ، فإنه يتحمل الوزر الأكبر كما يقول العقل والدين وتجارب التاريخ ، إن أخطاء السياسي لا تتعلق بأسرته أو الدائرة الصغيرة التي ينتمي إليها بل يتعداه إلى الملايين من الناس ، ويمكن تصور حجم الضرر حين يقرر مسؤول دولة إعلان الحرب على دولة أخرى ! أو بمثال آخر أن يستولي على ثروات ومقدرات الناس لأغراضه الشخصية فيمنعها من الوصول إلى الناس ! ترى كم من الضرر والمعاناة سيلحق بالمستفيدين من ذلك ؟ وإذا أجرينا مقارنة بين إرهابي يفجر نفسه فيؤدي إلى قتل العشرات من الناس والتسبب بكارثة لأسرهم مع مسؤول يخون الأمانة ويتسبب بذات الكارثة إذا كان يعمل في المجال الأمني هل سنجد فرقاً ؟ الفرق الحقيقي إن الأول يمكن إدانته من غالبية الناس بلا تردد أو تفكير ، أما الآخر فإنه يتستر بلباس السلطة وحصانتها ، وبمقدوره الظهور في وسائل الإعلام أنيقاً ، لبقاً مطمئناً أن لا أحد بوسعه النيل منه ، وإذا كثر وجود مثل هذا المسؤول الأنيق في نظام ما فالويل لمن يمثلهم ويأتمنونه على بلدهم ، سيمضي في نشاطه المحموم مثل السرطان في الجسد المريض ، وهل ثمة إغراء يمكن أن يطيح بالإنسان أخلاقياً أكثر من المال والنفوذ ؟ إن أقصى ما بلغته حكمة الناس في البلدان المتحضرة هي أنهم وضعوا قواعد للسياسة والحكم تمنع وصول هكذا أفراد إلى مناصب الدولة ، لكن ما حدث عندنا سمح للأسف بوجود هكذا مهرجين وانتهازيين ، واللافت في مثل هؤلاء هو تمتعهم بالذكاء السلبي ، أي الجانب السيئ من قدرات الإنسان العقلية فهم مثل بعض أنواع المجانين الذين يقول عنهم الطب النفسي ، أن بإمكانهم تجاوز الاختبارات العقلية ، فلا يمكن التنبه لما يحملونه من انحراف أخلاقي يتنافى مع عملهم في مجال السياسة والتحكم بمصائر الناس ، ومادامت اللعبة السياسية ـ كما يطلق عليها الأمريكان ـ تسمح لكل منتسب إلى جهة سياسية أن يدخل ضمن فريق اللاعبين فكيف بالإمكان التخلص من أمثال هؤلاء ؟ إن تأمل الكوارث السياسية يعيد إلى الذاكرة تلك السنوات المقيتة من الموت والخسارات ، وحين انجلت الأحداث فرّ أولئك الفاسدون بأموال الشعب كما سيفعل غيرهم ممن يمتهنون السرقة وارتداء الأقنعة !
المحصّنون !
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:11 م