TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر:اللارشدية ووحداني التسلط

عالم آخر:اللارشدية ووحداني التسلط

نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:22 م

 سرمد الطائي تعليقات القراء المناصرين لرئيس حكومتنا نوري المالكي "لم تكن ترحم" خلال الاسبوع الاخير، وشعرت انني صرت قاسيا على مشاعرهم الى حد لا يتصور فأطلقت اعلانا فجر الاربعاء مفاده انني سأتوقف عن كتابة اي مادة او تعليق سياسي طيلة ايام العطلة الاربعة، ولن استأنف ذلك الا يوم الاحد حيث نعود لاعمالنا.
اثناء ذلك قررت الانشغال بقراءة الكتب التي فاتني ان اطالعها، فدخلت موقع "فورشيرد" العظيم الذي اضحى بمثابة ذاكرة البشرية حقا. اي كتاب يخطر على ذهنك ستجده هناك بعملية بحث بسيطة داخل الموقع فتحصل على نسخة "بي دي اف" يمكن مطالعتها على الحاسبة او موبايل السامسونغ الذي يقرأ كل شيء.ولا ادري لماذا خطر على ذهني ابن رشد، فيلسوف قرطبة، ولعل للامر صلة بأن "سيرة ابن خلدون" كانت اول كتاب اقرأه في حياتي حيث اهداني اياه الوالد بمجرد ان تعلمت القراءة. اما موقع فورشيرد فقد أهداني كتاب "الضروري في السياسة" وهو تلخيص وشرح لنص افلاطون "كتاب السياسة". بيد انني كنت اود كما وعدت الاصدقاء على فيسبوك، الامتناع عن السياسة حتى الاحد، فما العمل؟ وهل يمكن ان ترفض كتابا يجمع بين دفتيه كلمات ابن رشد وافلاطون دفعة واحدة؟يبدأ ابن رشد كتابه بسؤال: هل تقتصر الحكمة على اليونان؟ فيدحض هذه الفرضية قائلا ان العديد من الفلاسفة الكبار قد ظهروا "في الشام والعراق ومصر".  اما انا فكنت اقرأ واسأل: هل سمعتم بحكماء في الشام والعراق ومصر؟ لماذا لم نعد نسمع بهم هذه الايام؟ وفي هذه البلدان بالتحديد؟ثم يأخذ في نقل اراء افلاطون التي تتصل بحياتنا حتى اليوم. وينقل عنه ان "المدينة الفاضلة" لا تحتاج الى اكثر من الف جندي لحفظها، وأنا افكر في مليون جندي ننفق عليهم 14 مليار دولار "ولا مدينة فاضلة ولاهم يحزنون".ثم يقول ان اهم شيء في المدينة الفاضلة ان يشعر الجندي بكراهية شديدة للاعداء وحب شديد لاهل بلده. وان الفساد هو ان يكون الجندي كارها لحاكمه وغير محب لاهل بلده لانه حينئذ "سيفقد الشجاعة". يقول "ان على الجندي الحافظ ان يكون ذا بأس حكيما سريع الحركة مع يقظة بال"، وأنا اقرأ وأتصفح في ذهني "يقظة البال وحسن التعامل" في كثير من نقاط التفتيش داخل "جمهورية السيطرات" التي نحيا فيها والتي لم يسمع عنها لا ابن رشد ولا افلاطون.افلاطون يدعو ايضا الى الموسيقى، وان تكون "في خدمة الشعر". وهو يريد ان تتم تربية الجنود والحكماء معا، على "موسيقى يصاحبها الشعر". الا انه يكره الكاريكاتير والكوميديا، ويرفض ان "نصور انسانا بصورة ثور"، لان ذلك "يلهي الحكماء والجنود". كما يدعو لعدم الاسراف في الموسيقى والخمر، لأن ذلك يؤدي الى ازدهار مهنتي المحاماة والطب، وهي تثقل كاهل "المدينة الفاضلة".لقد انجز ابن رشد شروحا مهمة وضع فيها اجتهاداته، لاهم كتب اليونانيين افلاطون وارسطو، وغدا بذلك ملهما لأوربا التي ترجمته بعد سقوط الاندلس قبل 6 قرون. وصار هناك تيار أوروبي يطلق عليه تسمية "الرشدية اللاتينية"، واصبح "افيروش" كما يسمونه في ايطاليا، مدخلا رئيسيا لعصر النهضة لديهم، ويومذاك ازدهرت فكرة ان احترام الشريعة والنصوص المقدسة لا يتعارض مع العقل الذي ينبغي ان يكون حرا وان يعاد الاعتبار لدوره. اما نحن المسلمين فمنذ سقوط الاندلس نعيش زمنا "لارشديا" بامتياز، ونبرهن على ذلك كل لحظة.لقد انتهت عطلتي ورجعت اتكلم في السياسة، بينما يختم افلاطون كتابه بعبارة "لا اسعد من ملك فاضل، ولا أشر من وحداني التسلط" وكأن افلاطون وابن رشد يعلقان بذلك على ملابسات سحب الثقة ومضمون اتفاقية اربيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram