علي حسين إذن.. بوضوح شديد، ومن غير لف أو دوران، فقد خدعوكم أيها العراقيون المساكين حين أوهموكم أن هناك ديمقراطية وتبادلا سلميا للسلطة وان المسؤول ما هو إلا موظف يمكن إقالته بورقة صغيرة من مجلس النواب.. فلا تنتظروا إصلاحات سياسية .. ولا بناء دولة مؤسسات طالما فكر البعض بسحب الثقة عن رئيس الوزراء ..
هكذا إذن علينا جميعا رجالا ونساء شيبا وشبابا أن نقدم اعتذارا فوريا لائتلاف دولة القانون على ما اقترفناه بحقه من ذنوب وجرائم خلال الأسابيع الماضية .. هذه هي باختصار نظرية السادة المقربين من رئيس الوزراء وأحبابهم والمنتفعين منهم وأقاربهم وهكذا دواليك إلى أن تتعب من تكرار عناوين وأسماء الطبقة التي سرقت تضحيات العراقيين وحلمهم بدولة مدنية يحكمها القانون وليس خطب المسؤولين وشعاراتهم. وهذا هو المعنى الصريح لتصريحات السيد المالكي التي أطلقها خلال الايام الماضية والتي اكتشفنا فيها ان العراق يدار بلغة الوعيد والتهديد .. لغة لا تمت إلى الدستور بصلة على الرغم أنهم صدعوا رؤوسنا خلال الأشهر الماضية بالحديث عن جنة الدستور واقسموا بكل أديان الدنيا أن الخروج عليه –الدستور– إنما خروج على الشرع والقانون. المالكي والذي يفترض انه نتاج نظام ديمقراطي يقول في حوار متلفز على قناة الميادين: "لو كنت دكتاتوراً كما يقال لما أبقيت على السلطة التشريعية والتنفيذية، وما كانت المؤامرة "تفتر" علي يوميا من هؤلاء الذين يجمعون التواقيع، ويتآمرون في هذه المدينة أو تلك، وأنا بإمكاني أن "أشيلهم" مرة واحدة وأنهي الأزمة".ثم يصدمنا بما هو أكثر بقوله "إن الاجتماعات التي تهدف إلى سحب الثقة عن الحكومة لا نقلق منها"، لماذا لأنهم لا يستطيعون ولن يتمكنوا من ذلك، على حد قوله. المعنى الواضح لهذه التصريحات المدهشة للسيد رئيس الوزراء أن وجوده هو شخصيا كرئيس للوزراء لم يأت عن طريق التوافق السياسي ولم يمر عبر مجلس النواب .. ولم يجلس المالكي مع المتآمرين في أربيل عام 2010، لأنه أساسا لم "يهرول" إلى أربيل يوما وكل ما نشر عن اتفاقات جانبية وتواقيع ما هو إلا خيالات وأوهام تدور في رؤوس المتآمرين. لعل أخطر ما في الموضوع أن المالكي يوجه رسالة إلى من يهمه الأمر مؤداها أن شعارات مثل الشراكة الوطنية وتحديد صلاحيات مكتب رئيس الوزراء شيئا لا يحتمل، وبالتالي فإن ما يجري اليوم طلاق لا رجعة فيه بينه وبين جميع القوى السياسية، وليس بعيدا عن هذا الطرح المهين من قبل المالكي لشركائه، تلك الدعوات المسمومة التي بدأت بشائرها في "اليافطات" التي انتشرت في بغداد والتي تصف أصحاب مشروع سحب الثقة بالخونة وتطالب بمحاسبتهم، وهي جزء من حملة تمول باموال الحكومة للانقلاب على العملية السياسية.ما طرحه المالكي في حواره التلفزيوني يتجاوز رأيه في قضية سحب الثقة، بل أظنه يمكن النظر إليه على أنه مرحلة القصف العنيف تمهيدا لمرحلة الهجوم البري الحاسمة، وأحسب أن على كل سياسي ونائب أن يتحسس رأسه من الآن، ويفكر فيما هو قادم، ليس على مستوى شكل العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، بل ربما يكون المقصود من وراء قنابل الدخان التي يلقيها المالكي القفز إلى ما هو أكبر وأخطر من فك وتركيب العملية السياسية بخامات جديدة وديكورات مختلفة. غير أن كلام المالكي لم يخل من الشيء ونقيضه، والحجة وعكسها، فبعد أن أشعل النار في حقول المختلفين معه، عاد وقال إنه لا مانع الاختلاف فهذه حالة طبيعية، بشرط ان تبتعد عن المماحكات وهي الكلمة التي يعتقد المالكي أنها السبب في تعطيل الخدمات وغياب الكهرباء وسرقة المال العام .. ونسى ان هذه الكلمة فهي تعني في قاموس السياسة ان لا طائل من النقاش والجدال طالما الطرف الآخر مصراً على قناعته.ظلت الناس تأمل برئيس حكومة يعلي مبدأ الحوار السلمي، لا ينحاز لطرف على حساب طرف آخر، رئيس وزراء يتعامل مع الجميع على مسافة واحدة، فالمسؤول والمواطن جزء من النسيج الوطني، رئيس حكومة، شعارها القانون أولا ، لكنهم وجدوا أمامهم عقلية سياسية تتعامل مع المختلفين باعتبارهم أعداء للوطن ، ينبغي ان يشتموا على كل المنابر.
العمود الثامن:ليست أزمة بل "مماحكات"
نشر في: 13 يوليو, 2012: 05:34 م